كويتية بدموع شامية
سأفرغ الآن من كتابة هذه المقالة، وسيقرأ من يقرأ، ثم سيطوي صفحة «الجريدة» ويمضي في روتين يومه المعتاد، كما سأمضي أنا، وكذلك الكل... دون أن نعلم عما يحدث هناك في أرض النكبة إلا ما يتناقله الإعلام، وكل ما يمكننا فعله هو التأثر فقط، فاعذرينا يا حلب فليس لنا حيلة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
لا تزالُ سورية تنزف.. ولا يزال الأنين والصراخ كما هو منذ ٦ سنوات، ٦ سنوات من اللاإنسانية على أرض عربية مسلمة! ٦ سنوات من الهمجية والإبادة وكل ما من شأنه أن يذيب الحجر فضلاً عن البشر، لكن العجيب هو كل هذا التقاعس والتخاذل من أمتنا تجاه تلك المأساة!أكتبُ وأنا أعلم يقينًا أنني لستُ أول من كتب عن الأزمة السورية، ولا آخرهم، أكتُب جازمة بأن كل ما كُتب في مهب الريح، وأن حروفي هذه أيضاً ستلقي حتفها، لتلحق بأوراق الخريف، أكتب بعيداً عن السياسة ودهاليزها الشائكة الملعونة، تلك التي لا تعرف للإنسانية والشعور معنى ولا قيمة، أكتب على مكتبي الخشبي، وكوب قهوتي "الأمريكانية" بجانبي و"آيفوني" الذي يرن بين الفينة والأخرى معلناً عن رسائل لا تقل سُخفاً عن عالمنا العربي البليد المُتخاذل، أكتب وأنا لستُ في سورية... ولم أعشْ حرباً غير الغزو العراقي على أرض الكويت. أعرف أنني سأبخسكم حقكم إذا ما قارنتُ بين الحربين، فبعض المقارنات ظلم، وإن تشابهت أسماؤها، أعرف أن شعوركم ما عادت المعاجم تطيق ألمه لتعبر عنكم، وأعرف أن لسان حالكم سئم الشكوى لجمادات تسمعُ ولا تفعل شيئاً!
أعرف شعور الأم التي تخاف على ابنها إذا ما جرحت الورقة إصبعه، أو شعر ببرودة في أواخر الليل، فتركض بلحافِ حنانها لتدفئه، أعلم صغائر الأمور ورُبما أتفهها مقارنة بما تعيشونه أنتم وأهليكم هناك على أرضكم ووطنكم! أكتب ربما لأن هذا هو أقل ما يمكنني فعله، فلو كان بوسعي أن أوقف تلك المهزلة لأوقفت، والله كل مسرحيات الكون الدموية المستبدة! ولطمستُ كل تلك الوجوه المتفرجة المتحجرة الباردة! لست معكم على الأرض يا أهل حلب، لكنني والله أشعر بكم! قد لا يكفيكم شعوري... ولا دعائي، فالوضع جاوز مبلغه، والنحيب وصل إلى حده! فكل ما تبغونه الآن هو عيش لا أقل من ذلك ولا أكثر! يالله! كيف لأبسط الحقوق أن تصبح يوماً حلماً وربما استحالة؟ كيف للإنسان ألا يكون إنساناً؟ وكيف للإنسانية أن تكون منحازة في عقيدة ما؟ بأي سواد الوجه سنقابل رباً يسألنا عن إخوانٍ لنا في سورية وغيرها من الدول؟ أين نحن من هذا كله؟ سأفرغ أنا الآن من كتابة هذه المقالة، وسيقرأ من يقرأ.. ثم سيطوي "الجريدة" ويمضي في روتين يومه المعتاد، وأيضاً سأمضي أنا، وكذلك الكل... دون أن نعلم ما يحدث هناك في أرض النكبة إلا ما يتناقله الإعلام... عليه أن ينقل صورة مؤثرة جداً لنتأثر... فكل ما يمكننا فعله هو التأثر فقط، ربما بقصائد، بأبيات شعر، أناشيد، أغان، أو أن نرسل معوناتٍ باسمنا ومعنا طاقم يصور ليوثق برنا وأيادينا البيضاء، هذا كل ما يمكننا فعله يا شام الهوى... اعذرينا، وليس لنا في غير ذلك حيلة.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.