«السموم البيضاء» تفتك بـ 70 ألف مدمن في الكويت
الإدمان مرض سرطاني يتمدد في جسد المجتمع وينذر بكارثة حقيقية للشباب
تكشف لغة الأرقام عن معدلات مفزعة لحجم مشكلة الإدمان، إذ بلغ عدد المدمنين بالكويت 70 ألف مدمن، وفق آخر إحصاءات مكتب مكافحة المخدرات التابع لمنظمة الصحة العالمية، هذا بخلاف المدمنين السريين الذين يخافون الإفصاح عن أنفسهم تجنبا لضغط المجتمع، وخشية فضح أمرهم، وهو مما يزيد الأمور أكثر تعقيدا ويلقي بالمسؤولية الكبيرة على أجهزة الدولة والأسرة لمراقبة أبنائهم لإنقاذهم من الوقوع في مصيدة "تجار السموم البيضاء"."الجريدة" فتحت ملف الإدمان في الكويت، لتشخيص أسبابه من الناحية القانونية والأمنية والنفسية والمجتمعية، واستطلعت آراء المختصين والمعنيين لتحديد استراتيجية علاجه لوقف نزيف فاتورة الخسائر الباهظة للمخدرات.وتشير الإحصاءات إلى أن مركز علاج الإدمان بمنطقة الصباح الطبية استقبل في عام 2015 حوالي 4861 حالة، منها 586 حالة جديدة (ليس لها ملف سابق بالمركز)، فيما بلغ عدد الحالات المترددة على المركز في النصف الأول من عام 2016 ما يقارب 2682 حالة، منها 296 حالة جديدة.
وتؤكد إحصاءات وزارة الداخلية تنامي عدد القضايا المتعلقة بالاتجار والحيازة والتعاطي عند الكويتيين، حيث تضاعفت نسبة هذه القضايا لديهم من 60 في المئة عام 2003، إلى 75 في المئة من إجمالي عدد القضايا عام 2010، بينما كشفت دراسة حديثة أن 70 ألفا من سكان الكويت وقعوا في براثن الإدمان.من جهته، صرح رئيس وحدة الخدمة النفسية الإكلينيكية بمركز علاج الإدمان، يعقوب الشطي، بأن مركز علاج الإدمان استقبل في النصف الأول من عام 2016 نحو 2682 حالة، منها 296 حالة ليس لها ملف سابق بالمركز، بينما البقية لهم ملفات سابقة وعاودوا زيارة المركز، إما للمراجعة أو لحدوث انتكاسة وعودة إلى الإدمان، كما استقبل في عام 2015 نحو 4861 حالة، منها 586 حالة جديدة. وأوضح أن المركز يستقبل الحالات المحولة من ثلاثة مصادر، أولها مرضى التطوع وهم المرضى الذين ينشدون العلاج من تلقاء أنفسهم، فيتم تقييم حالتهم من قبل الفريق العلاجي بالعيادة الخارجية لتحديد خطوات العلاج التي يحتاجون إليها.أما المصدر الثاني فهم المرضى المحولون من نيابة الخمور والمخدرات، وهنا يتقدم ذوو المريض لنيابة الخمور والمخدرات بشكوى لإجبار المريض على تلقي العلاج بأحد مراكز علاج الإدمان المعتمدة، ولا يترتب على ذلك تسجيل قضية في حق المريض، حيث إن الهدف من هذا الإجراء هو تمكين الأهل من مساعدة المريض لتلقي العلاج، والمصدر الثالث هم المودعون بأمر المحكمة، حيث يتم تحويل المريض للمركز بأمر المحكمة بقصد علاجه، وهنا تتراوح المدة العلاجية من ستة أشهر إلى سنتين، ويكون إيداع المريض بأحد مراكز علاج الإدمان بديلا عن عقوبة الحبس.
الحردان: الاكتئاب بوابة المخدرات
رأت الناشطة الرياضية والاجتماعية حنان الحردان أن الرياضة مهمة جدا لمكافحة المخدرات، لأنها تسد وقت الفراغ، بدلا من اللجوء إلى أمور سلبية، كما أنها فعالة في علاج الاكتئاب الذي يمثل مدخلا رئيسا للاتجاه إلى المخدرات، وأيضا تحسن المزاج وتصفي الذهن، وتجعل الفرد يهتم بصحته، مشيرة إلى أن الرياضة توفر للفرد أهدافا إيجابية يسعى إلى تحقيقها كالتطلع للتقدم في رياضة معينة ورفع اسمه عاليا، أما النقطة الأهم في رأي الحردان، فهي قدرتها على توفير قدوة حسنة للشباب من خلال التعامل مع أشخاص ملتزمين وناجحين.وأشارت إلى السباح العالمي فيليبس الذي قال: "أشكر الرياضة التي أنقذتني من الكحول والاكتئاب"، لافتة إلى أن أسباب اتجاه الشباب نحو المخدرات تتمثل في ضعف الوازع الديني والفراغ، والتفكك الأسري وضعف الرقابة الأسرية، وكثرة الضغوط كالمشكلات الدراسية وغيرها، وقصور الخطاب التوعوي، والقدوات المنحرفة التي يقلدها الشاب لقلة وعيه.
برنامج «تواصل»
وأشار الشطي إلى أن المركز، إضافة إلى الخدمات العلاجية التي يقدمها للمرضى، يقدم برنامجا لذوي المرضى عن طريق وحدة الخدمة النفسية الإكلينيكية، يسمى برنامج "تواصل"، يتم فيه تثقيف أهالي المرضى بطبيعة المرض وأفضل الطرق للتعامل مع المرضى بمراحل علاجهم المختلفة، كما يهتم المركز بتقديم الأنشطة الرياضية المختلفة للنزلاء، حيث تتوافر صالة رياضية مجهزة، إضافة إلى ملاعب كرة قدم وطائرة وكرة سلة، كما يوجد حوض سباحة.وأكد أن المركز يتعاون مع وزارة الأوقاف وجمعية بشائر الخير لتقديم برامجهم الدينية والترويحية لمرضى المركز، وكذلك يتعاون مع جماعات الدعم الذاتي كالمدمن المجهول، حيث يتم تشجيع المرضى على الانخراط في برامجهم بما يتكامل مع كثير من أهداف العلاج.وعن علاقة الإدمان بالأمراض النفسية، أوضح الشطي أن التأثيرات الدوائية تختلف من عقار لآخر، فبينما ترتبط بعض العقاقير المنشطة مثل الامفيتامينات بأعراض نفسية تشبه أعراض مرض الفصام وتسبب زيادة النشاط والحركة والأرق والتشوه الإدراكي وحالات البارانويا (الارتياب)، إلا أن القاعدة العامة هي أن جميع المواد النفسية تعمل على استثارة المرض النفسي (يزداد هذا الاحتمال في حال وجود العامل الجيني)، وزيادة حدة أعراضه، وتسهم بشكل واضح في زيادة التدهور الذي يحدث نتيجة هذا المرض النفسي، موضحا أن جميع المواد المخدرة لها أضرارها على حياة الفرد الجسدية والنفسية والاجتماعية.ولفت إلى أن المنشطات تتسبب في زيادة سرعة دقات القلب والتشنجات وتؤدي في بعض الأحيان إلى تلف الأوعية الدموية وتكون الجلطات وانخفاض حرارة الجسم، ما قد يؤدي إلى الوفاة، كما أن لهذه المواد علاقة بزيادة حالات العنف والجرائم التي تحدث بالمجتمع.ويبين الشطي أن مركز علاج الإدمان يقدم خدماته للمرضى مزدوجي التشخيص (إدمان + مرض نفسي) وذلك بعد المعاينة الإكلينيكية وتطبيق الاختبارات النفسية على المرضى ممن تظهر عليهم مثل تلك الأعراض، كما تتبنى وحدة الخدمة النفسية الإكلينيكية أسلوب العلاج المعرفي السلوكي ضمن فريق علاجي متكامل متعدد التخصصات.من جانب آخر، شدد الشطي على أنه يجب التفريق بين الواقع والمأمول في تقييم مراكز الإدمان بالكويت، قائلا: من حيث الواقع فإن ما لدينا من إمكانات يعتبر مرضيا إلى حد ما في هذه المرحلة، والمأمول يفوق ما لدينا بكثير، فنطمح إلى فتح مراكز في مختلف المحافظات، ليتسنى تقديم الخدمة لأكبر عدد من المستفيدين، حيث إن وجود المراكز بمنطقة الصباح الطبية قد يتسبب في صعوبة انتظام المرضى الذين يسكنون في مناطق نائية، وأحد الحلول التي نتطلع إلى تنفيذها هو تقديم خدماتنا ضمن المراكز الصحية التخصصية بالمناطق، بحيث تكون خدماتنا في متناول المرضى.أمراض نفسية
من جهته، قال رئيس قسم علم النفس في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت، د. عويد المشعان، لـ "الجريدة" إن ظاهرة المخدرات آخذة في الانتشار والتمدد بالمجتمع الكويتي، وهي تمثل تحدي العصر بالنسبة إلى جميع الدول، لأن الإدمان مرض فتاك يقضي على الإنسان ويدمر مستقبله، ولا يجعله يعيش حياة طبيعية، كما يؤدي إلى الموت في أحيان كثيرة. وأضاف المشعان: "الإدمان يؤدي إلى عدة أمراض نفسية كالقلق، الاكتئاب، الوساوس، التوتر، الانعزال والانطواء، اضطرابات النوم، وأيضا يسبب اضطرابات بالجهاز العصبي المركزي تؤدي إلى اختلال وجداني وخلل بالسلوك".وأفاد بأنه في بعض الأحيان تكون الاختلالات النفسية سببا في الإدمان، مشيرا إلى أن الإدمان ينقسم لشقين، شق نفسي يتمثل في الرغبة بالتعاطي، حيث يربط المريض بين المخدر والإحساس بالراحة، وشق عضوي يرتبط بتعود الجسم على المخدر، وينتج عنه أعراض انسحابية كالآلام الشديدة والتشنجات في حالة عدم تعاطي الجرعة المعتادة.وأوضح المشعان أن المدمن يحتاج إلى معاملة خاصة من جانب الأسرة، تتمثل في العمل على احتواء المريض، وعزله عن الوسط الذي يتعاطى فيه المخدرات، وتعزيز ثقته بنفسه، مع بيان أضرار الإدمان وضرورة العلاج، ليصبح شخصا فعالا وناجحا بالمجتمع، وشدد على عدم التعامل معه كمجرم حتى لا تحدث نتائج عكسية، وكي يتخذ قرار الإقلاع عن الإدمان باقتناع داخلي.البشايرة: حملات التوعية غير مثمرة
شدد المختص بتطوير المهارات الشخصية نايف البشايرة على أن الوقاية من المخدرات تبدأ بالفرد نفسه من خلال رفع جانب الثقة بالنفس وتعزيز القدرة على مواجهة الظروف الصعبة وتعزيز مهارات العمل في الضغوط الاجتماعية والنفسية بشكل عام، إضافة إلى رفع الوازع الديني.وأكد ضرورة رفع الوعي المجتمعي عن طريق إقامة الدورات التثقيفية بشكل دوري في المدارس والمعاهد والجامعات، وكذا تدشين حملات توعية بألاعيب تجار ومروجي المخدرات، مشيرا إلى أن الحملات التي تطلقها مجاميع تطوعية ومبادرات القطاعين الخاص والحكومي لا تعطي النتائج المرجوة، لأنها تنفذ بطريقة تقليدية وتفتقر للعمق في الطرح، بالرغم من أهمية رسالتها وسمو أهدافها.
علامات وحلول
من ناحيته، قال رئيس جمعية بشائر الخير، عبدالحميد البلالي، إن المخدرات ظاهرة تهدد الأمن القومي الكويتي، لأنها تضرب المجتمع في عموده الفقري المتمثل بالشباب، وتفسد العقول التي تنشغل بالإدمان عن الإنتاج والتنمية، مشيرا إلى أن الجمعية تستقبل في مقرها سنويا من 600 إلى 700 مدمن، إضافة إلى آلاف المدمنين الذين تتعامل معهم الجمعية في المستشفيات وفي سجون وزارة الداخلية.وكشف البلالي عن وجود علامات عدة تظهر على مدمن المخدرات، تتمثل في الانعزال عن الأسرة، وعدم الاهتمام بالمظهر العام، وشحوب الوجه، واعتلال الصحة، وفقدان الوزن، واحمرار العينين، والتعرق الزائد، وارتباك الكلام، وعدم انتظام المشي، وإهمال المسؤوليات، موضحا أن هذه العلامات تمثل ناقوس خطر ينذر بدخول الشاب دوامة الإدمان، كما يشير إلى أن الوالدين قادران على معرفة أي تغير يطرأ على سلوك أبنائهم.ورأى البلالي أن الحل يلزمة القيام بعدة خطوات، يأتي على رأسها تضافر جهود جميع مؤسسات الدولة والجمعيات المختصة بعلاج الإدمان، ووضع خطة استراتيجية لمحاربة المخدرات، إضافة إلى التعامل القانوني الصارم مع مروجيها، وتخصيص جزء من الميزانية العامة للدولة لعلاج الإدمان، مؤكدا ضرورة وضع مناهج تربوية إلزامية لمختلف المراحل التعليمية تعرف الشباب بخطورة المخدرات، إضافة إلى تعزيز الوازع الديني لديهم، ليكون حائط صد ضد ألاعيب مروجي السموم. وأشار البلالي إلى أن دور وزارة الأوقاف كمسؤول عن رفع الوازع الديني ضعيف في هذا الجانب، ويجب زيادة الاهتمام بهذه القضية في خطب الجمعة وفعاليات الوزارة المختلفة، لما للخطاب الديني من وقع مؤثر في نفوس المواطنين.أدوية خطيرة
وحذر الطبيب الصيدلي محمد مجدي، من جانب يغفل عنه كثيرون وهو بعض الأدوية التي لها تأثير شبيه بتأثير المخدرات وتؤدي للإدمان، والتي يتناولها البعض من دون ضوابط ومن دون دراية بخطورتها، مؤكدا ضرورة التشدد في صرف هذه الأدوية من قبل المختصين.ولفت إلى أن الحبوب التي يتم تهريبها كالترامادول واللاريكا والكبتاغون غالبا ما تكون مجهولة المصدر وغير مطابقة للمواصفات العالمية، ما يزيد من خطورتها على صحة الإنسان.وأوضح مجدي أن المواد المخدرة تؤثر بشكل مباشر في الجهاز العصبي المركزي، ما يجعل المتعاطي يعيش حالة مزاجية جيدة مؤقتا، لكنها في نفس الوقت تعمل على إتلاف الخلايا العصبية وتدمير خلايا المخ، ما يؤدي إلى كوارث صحية خطيرة". ويضيف أنه عند التوقف عن التعاطي تبدأ الخلايا مع الوقت بالعودة إلى حالتها الطبيعية حسب المدة التي قضاها المريض في تناول هذه الأدوية.باقر: القصور في «الداخلية»
أكد المحامي بدر باقر أن التشريعات والقوانين بدولة الكويت كافية لردع مهربي ومروجي المخدرات، موضحا أن القصور قد يكون في الأجهزة المساعدة لوزارة الداخلية من تقنيات حديثة للكشف عن المواد المخدرة وأجهزة رصد وتعقب المهربين.وأضاف باقر أن عقوبة تهريب المخدرات في القانون قد تصل للإعدام، مبينا أن عقوبة جناية التعاطي تصل إلى 3 سنوات ولـ 5 سنوات مع الحيازة، ثم تتصاعد العقوبة مع الاتجار إلى أن تصل إلى الإعدام، مشددا على أن مصادر المواد المخدرة لم تعد تقتصر على الجلب من الخارج، بل إن الكثير من هذه المواد تصنع محليا، وهنا يبرز دور الدولة في معرفة أوكار هذه الفئات وإيقاع أقصى العقوبات عليهم.
المخدرات زادت من 60 إلى 75% من إجمالي القضايا رغم الحرب ضد التجار
بعض الأدوية لها تأثير المخدر... وتناولها دون ضوابط يؤدي إلى الإدمان
بعض الأدوية لها تأثير المخدر... وتناولها دون ضوابط يؤدي إلى الإدمان