زملاء مادلين إليزابيث سلون في Miss Sloane يعرفونها باسم «إليزابيث»، لكن يصفها الناس بعبارات أخرى وراء الأبواب المغلقة وتُعتبر نسخة كاريكاتورية ماكرة من الناشطات النافذات ضمن الحركة النسائية. يكمن التميّز الحقيقي في أداء جيسيكا تشاستاين التي تجمع بين الدقة البلاغية وبين القوة العاطفية في قدرتها على الدمج بين الجانبَين.حتى في السنوات غير الانتخابية، تستحق شخصية «الآنسة سلون» والفيلم الذي يدور حولها اهتماماً كبيراً، أقلّه لتوضيح مهنةٍ لا تزال محتقرة وغير مفهومة. لكن في ظلّ الظروف الراهنة، يصعب أن نشاهد هذه القصة الغريبة والمشوقة والممتعة من دون أن نلاحظ بعض التشابه مع التراجيديا الكوميدية السياسية الحاصلة على أرض الواقع.
في الحبكة الفرعية تتعدّد النقاط المرتبطة بطريقة اللجنة المختصة في استجواب إليزابيث بشأن فضيحةٍ ربما تنهي مسيرتها المهنية. في الوقت نفسه، يبدو التشابه بارزاً بين الشخصيات المنتمية إلى المعسكرين السياسيين المتخاصمَين في الفيلم، إذ يحب كلاهما الشجار على شاشات التلفزة ويبرع في التلاعب بوسائل الإعلام ويغيّر بالطريقة المفاجئة والمضطربة نفسها طاقم الموظفين لديهما.
الحبكة الحقيقية
ظاهرياً، يتمحور فيلم Miss Sloane (الآنسة سلون) حول السيطرة على انتشار الأسلحة ويرتبط على وجه التحديد بقانونٍ يطرحه الحزبان وكان ليتطلّب، في حال تمريره، مراقبة عالمية لعمليات بيع الأسلحة (تذكر القصة كيف يمكن أن يحصل التغيير التدريجي، ما يساهم في إبطال جانب السيناريو المبني بدرجة معينة على أمنيات غير ملموسة). لكن يبدو الجدل الشائك في الفيلم مجرّد تمهيد لإطلاق الحبكة الحقيقية، بمعنى أنه ذريعة للقيام بتحقيق أخلاقي ومهني عميق يتجاوز أي قضية سياسية محددة.تستقيل إليزابيث فوراً حين يأمرها رب عملها بتمثيل جماعة ضغط نافذة تدعم استعمال الأسلحة ثم تذهب للعمل في شركة «بيترسون وايت» الصغيرة التي تسعى إلى إقرار قانون السيطرة على انتشار الأسلحة. يعكس هذا القرار موقف الفيلم السياسي مع أنه يترك شيئاً من الغموض في موقف إليزابيث: هل تؤيد بصدق تشديد القوانين المرتبطة باستعمال الأسلحة أم أنها تريد بكل بساطة خوض أكبر تحدٍّ في مهنتها وتحقيق أكبر انتصار لها؟ ما الذي تريده فعلاً وإلى أي حدّ ستكون مستعدة لتقديم التنازلات لتحقيق هدفها؟تمرّد بثقة
نشاهد مدى قسوة إليزابيث حين تتمرّد بكل ثقة وتغادر شركتها وتأخذ معها عدداً من الموظفين الذين تثق بهم، باستثناء جاين مولوي (أليسون بيل) التي كانت تحميها وتوجّهها، فتُشغّلهم إلى جانبها في شركة «بيترسون وايت». ينتظرها هناك رب عمل جديد اسمه رودولفو شميت (مارك سترونغ) علماً بأن مقاربته المبدئية بشأن فن الإقناع السياسي تتعارض بشدة مع تكتيكاته القذرة.تبدأ إليزابيث العمل هناك مع ناشطة شابة وموهوبة اسمها عصمت مانوشاريان (الممثلة الممتازة غوغو مباثا رو). تنفر الأخيرة من زميلتها الجديدة وتنبهر بها في الوقت نفسه وسرعان ما تدرك مدى استعدادها لتجاوز الحدود لتحقيق النصر. فيما يتسابق فريق إليزابيث وجماعة ضغط مدعومة مالياً لاستمالة أكبر عدد من أعضاء مجلس الشيوخ، تُستعمَل الوسائل الممكنة كافة بدءاً من الإذلال العلني والخيانة أمام الكاميرا وصولاً إلى المراقبة غير الشرعية.إليزابيث امرأة نافذة في مجالها ومن الطبيعي أن يحيط بها رجال لا يريدون إلا رؤيتها تفشل، من بينهم اثنان من مساعديها السابقين (سام واترستون ومايكل ستولبارغ) والسيناتور (جون ليثغو) الذي يتولى استجوابها. من خلال مشاهد استجواب إليزابيث بتهمة سوء السلوك، يحصل الفيلم الذكي والعابر للزمن على أساس سردي صلب مع أنه يربط عامل التشويق بانتصارها أو هزيمتها النهائية.النهاية والمصير
مع اقتراب النهاية، نتعلّق بمصير إليزابيث لأسبابٍ لا ترتبط فعلياً بالتداعيات السياسية بل بالمخاطر الشخصية. في النهاية، لا يُعتبر هذا العمل اجتماعياً وسياسياً بل هو فيلم يعتمد صراحةً على عوامل الجذب الوافرة في برامج مثل Scandal (فضيحة) و House of Cards (بيت من ورق). لا مانع من استعمال هذا الأسلوب إذ يعترف العمل بأن معظم الجدل الحاصل حول التعديل الثاني من الدستور الأميركي يندرج ضمن المناشدات العاطفية القوية التي يطلقها الطرفان. يطرح السيناريو هذا المنطق بطريقة تشاؤمية ويقدّم في الحد الأدنى تحولَّين قويَّين يجازفان بالانفصال عن أحداث الواقع.فن التلاعب الميكافيلي
يبقى الواقع مفهوماً مرناً طبعاً في هذه الأيام، وإذا أردنا التحدث عن خطأ معيّن في فيلم Miss Sloane، فيمكن أن نقول إن فن التلاعب الميكافيلي فيه قد لا يبدو في السنوات المستقبلية غير واقعي بل سيوحي بأنه قديم: سنعود إلى زمنٍ كانت فيه عواقب سوء السلوك المهني أكثر وضوحاً وكان الناس فيه يستطيعون التعبير عن سخطهم. لذا ننصح الجميع بمشاهدة هذا الفيلم الذكي والمبهر اليوم قبل أن نشعر بأن حس العدالة المتأجّج فيه أصبح جزءاً من الماضي!