تعرض الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الى موجة واسعة من الانتقادات بسبب جهوده الرامية الى إخافة الشركات كي تعمد إلى ابقاء فرص العمل في الولايات المتحدة، ومع ذلك وعلى الرغم مما تبدو عليه تصرفاته من إرباك وحب للمماحكة فإنها تثير بعض الأسئلة المهمة حول كيفية تحديدنا لقضية النجاح في ميدان الاقتصاد.

وقد وجه خبراء الاقتصاد بمن فيهم بول كراغمان ولاري سمرز وتايلر كاون وجون كوشرين انتقادات حادة الى ترامب بسبب تصرفاته الهادفة الى تحقيق شعبية – مثل الضغط على شركة كاريير بغية الابقاء على حوالي 1000 فرصة عمل في إنديانا. ويشير هؤلاء الخبراء إلى أن هذا الرقم لا يشكل أهمية كبيرة في بلد يشهد خلق وإنهاء ملايين الوظائف في كل شهر، وهم يشعرون بقلق أيضاً من أن الحكومة الرئاسية الواسعة سوف تقوض حكم القانون.

Ad

ولكن تلك طريقة واحدة فقط بالنسبة الى النظر الى هذه المسألة، ثم إن الفرص الكبيرة تبدأ في أغلب الأحيان بطرق صغيرة وغير لافتة، كما أن من الحق الشرعي تماماً للرئيس أن يستخدم منصبه بغية تحسين تحول أوسع في القيم، وفي حالة ترامب، فإن ذلك التحول قد يعني الابتعاد عن وجهة النظر الحالية المهيمنة في السياسة- التي قامت على تحليل اقتصادي دقيق – من أنه لا بأس في أن تقوم الشركات بنقل وظائف التصنيع الى دول اخرى سعياً وراء تحقيق الربح والتنافسية المهنية.

ويشعر الناخبون الذين صوتوا لصالح ترامب، كما يبدو، بأن من حق الشركات أن تحصل على قيم اخرى بما في ذلك البعض من التحالف مع موظفيها والمجتمعات التي ازدهرت وحققت الربح فيها.

وهذا شعور ملموس يحظى ببعض الدعم في أعمال الاقتصاديين في معهد ماساشوستس للتقنية دارين أسيموغلو وجيمس روبنسون اللذين يجادلان في أن القرارات الاقتصادية المنطقية الظاهرة تتسم بأبعاد سياسية قد تقوض فوائدها ومنافعها – وهي حقيقة يتجاهلها في أغلب الأحيان الأشخاص الذين يهتمون بالجوانب الاقتصادية.

دور الاتحادات العمالية

ولننظر إلى الاتحادات العمالية، ويظن خبراء الاقتصاد أن هذه الاتحادات تعمل على تشويه الأسواق، وينصحون بتحديد آفاق لسلطتها، وعلى الرغم من ذلك فإن الاتحادات العمالية لعبت دوراً مهماً في دعم الديمقراطية في شتى أنحاء العالم، وفي تحقيق توازن بين مصالح العمال والنخب التجارية والسياسية، وخلال العقود القليلة الماضية أسهمت تلك الغاية الرامية الى الحد من نفوذ الاتحادات العمالية في تغيير المشهد السياسي أيضاً – وربما ليس بطريقة جيدة إذا نظرنا الى ذلك من خلال تقلص حصة العمل في الدخل القومي.

وتتسم المخاوف من حكم القانون بمنظور محدد كذلك، ولم يشر أحد الى أن ترامب انتهك القانون بأي صورة عن طريق تعامله مع شركة كاريير، ويبدو أن قلق الاقتصاديين يتمحور حول كون الرئيس الأميركي المنتخب قد مضى الى ما هو أبعد مما يرونه الدور الملائم للحكومة المتعلق بتحديد وفرض قوانين قابلة للتطبيق اضافة الى حقوق الملكية. وهم يرون تهديداً لحكم الاقتصاديين وللفكرة القائلة بأن قرارات الشركات يجب أن يحكم عليها ضمن سياق التكلفة والفوائد فقط.

التعقيدات الاقتصادية

وقد كانت التعقيدات الاقتصادية وراء صعود التباين في العقود الأخيرة كما أنها لعبت دوراً كبيراً في تهيئة المسرح للغليان السياسي الحالي، وفي ضوء هذه الأخطاء الجلية في ما كان العقيدة المهيمنة فإن من العدل السؤال ما اذا كانت الشركات التي ازدهرت في الولايات المتحدة، وتمتعت بالبنية التحتية فيها وبعمالها المتعلمين، يجب ألا تتحمل أيضاً بعض المسؤولية عن رفاهية مجتمعاتها.

ما العمل؟ لا توجد أجوبة سهلة، والعثور على طريقة أفضل سوف يتطلب تجربة، فهل يتعين علينا العمل على إحياء الاتحادات؟ أو أن نحاول القيام بعمل على غرار النموذج الألماني؟ من المؤكد أننا لن نجد الحل عبر تقليد التفكير غير المرن نفسه الذي أوصلنا الى المتاعب في المقام الأول.

ويفتقر ترامب الى أي شيء يشبه خطة محكمة، وقد يشكل أيضاً خطراً على المثل الأساسية الأميركية، ولكن ليس من الخطأ التفكير في أن على الحكومة السعي الى تحديد القيم الانسانية، والدفاع عنها بدلاً من مجرد الاستسلام للقوى الاقتصادية، ويتعين أن يكون من الواضح في الوقت الراهن أنه ليس في وسعنا ترك كل شيء الى اليد الخفية.