يرتبط ارتفاع التيستوستيرون بسعي الذكر إلى الإثارة، والتزاوج، والسيطرة. إذا حقنّا ثديياً بالتيستوستيرون، يزداد سلوكه عدائية. في المقابل، إذا استئصلنا الغدة التي تفرز التيستوستيرون (الخصيتان لدى الذكر) لديه، يصبح أكثر خنوعاً. ومن الممكن للجراحة، أو المجاعة، أو المرض، أو تراجع المكانة في البنية الاجتماعية أن تخفض أيضاً معدلات التيستوستيرون.

رغم هذه الروابط الواضحة كافة، لا تُعتبر العلاقة المباشرة بين معدلات التيستوستيرون والسلوك واضحة. يكتب عالم الأعصاب روبرت سابولسكي: «تُظهر الدراسة تلو الأخرى أننا عندما نفحص معدلات التيستوستيرون عند وضع الذكور معاً بادئ الأمر في مجموعة اجتماعية، لا تشير هذه المعدلات إلى مَن قد يتصرف بعدائية». لكن الاختلافات السلوكية التي تلي تؤدي إلى تبدلات هرمونية، لا العكس». يبدو أننا نواجه حلقة تغذية استرجاعية: يزيد التحلي بالشجاعة، أو العدائية، أو الميل إلى المخاطر التيستوستيرون، كما أن ارتفاع الأخير يزيد احتمال الإعراب عن أنماط سلوك مماثلة. .

Ad

المكافأة والعقاب

لكن دراسة أُجريت أخيراً تشير إلى أن ارتفاع معدلات التيستوستيرون يؤدي فعلاً إلى تبدلات في السلوك بطرائق لا دخل لها بالعدائية. اكتشف جان-كلود دريهر، مدير مركز علم الأعصاب المعرفي في ليون بفرنسا، وزملاؤه أن إعطاء الرجال التيستوستيرون يعزّز رغبتهم في الحصول على المكافأة والعقاب على حد سواء. يكتب الباحثون: «صحيح أن البحوث الاختبارية والرأي السائد يشدّدان على دور التيستوستيرون في تحفيز العدائية والسلوك المعادي للمجتمع، إلا أن الأدلة السببية المباشرة على هذا الرابط ضعيفة في حالة الرجال». ولمعرفة ما إذا كان بإمكانهم تعزيز الأدلة التي تثبت هذا الرابط، استعانوا بإطار تجريبي يُدعى «لعبة الإنذار»: يُقسَم المشاركون إلى أزواج وتُترك لكل زوج مهمة اقتسام مبلغ معين من المال بينهما (مئة دولار مثلاً).

يقرر شيب مثلاً أخذ 70 دولاراً وإعطاء أليكس 30 دولاراً. لا يستطيع الأخير وفق قواعد اللعبة اتخاذ أي خطوة غير تحديد ما إذا كان يقبل العرض أو يرفضه. ولكن إذا رفض العرض لا يأخذ أي منهما المال. ربما تظنّ أن الناس في حالة أليكس يميلون إلى القبول لأن المال الذي يُعرض عليهم، مهما كان ضئيلاً، يظلّ أفضل من لا شيء. لكن العكس صحيح. كشفت التجارب، أن المتلقين يميلون إلى رفض العرض إن كان أقل من 30 % من المبلغ الإجمالي: تشير النظرية إلى أنهم يؤذون أنفسهم لمعاقبة ما يعتبرونه سلوكاً مجحفاً.

تعديل اللعبة

في تجربة التيستوستيرون، بدّل دريهر اللعبة قليلاً. في نسخته، يستطيع أليكس بعد قبوله عرض شيب أو رفضه أن يقرّر ما إذا كان يريد مكافأة شيب أو معاقبته، سواء كان عرضه مجحفاً أو سخياً، علماً بأن العقاب (أو المكافأة) سيكبّد أليكس نفسه كلفة نسبية (إذاً، إن قبل أليكس عرض شيب وأراد مكافأته بعشرة في المئة من حصة شيب، يخسر أليكس 10 % من حصته).

حُقن بعض المتلقين، الذين أدوا دور أليكس، بمليلتر من التيستوستيرون إنانثات، في حين أُعطي آخرون دواء وهمياً. إن كان التيستوستيرون يحفّز العدائية والسلوك المعادي للمجتمع، اعتقد الباحثون أن مَن حُقنوا به سيكونون أكثر ميلاً إلى العقاب وأقل ميلاً إلى المكافأة. لكن النتيجة جاءت مغايرة.

لم يكن مَن تلقوا التيستوستيرون أكثر ميلاً إلى معاقبة مَن قدموا لهم عروضاً مجحفة فحسب، بل كانوا أكثر ميلاً أيضاً إلى مكافأة العروض السخية (مقارنة بالمجموعة التي أُعطيت الدواء الوهمي). إذاً، يبدو في هذه التجربة أن التيستوستيرون يعزّز ميل الرجل إلى مكافأة الآخرين ومعاقبتهم. لذلك يستخلص الباحثون: «تتعارض اكتشافاتنا بوضوح مع الرابط البسيط بين التيستوستيرون وعدائية الرجل. بدلاً من ذلك، لاحظنا أن تأثير التيستوستيرون في سلوك الرجل يعتمد على الإطار الاجتماعي. أظهرنا في تجربة واحدة أنه قد يحسّن ردي الفعل العدائي والسخي على حد سواء».

ولكن إلامَ يعود ذلك؟ يذكر دريهر أن الدراسة تقدّم أدلة سببية تدعم النظرية القائلة إن التيستوستيرون لدى الرجال يعزّز السلوك الذي يزيد من مكانتهم الاجتماعية. على سبيل المثال، يلجأ القائد إلى المكافأة والعقاب كي يحافظ على دعم الشعب له.

وهذا بالتحديد ما تقوم به ذكور القردة المسيطرة. كي تحافظ على الهرمية الاجتماعية، يؤكد الباحثون أنها «لا تلجأ إلى السلوك العدائي فحسب، بل أيضاً إلى تشاطر الموارد، مثل الطعام والإناث». لذلك يعتقد دريهر أن لا عجب في أن يزداد معدل التيستوستيرون لدى القرد الذكر مع ارتفاع مكانته الاجتماعية.