إصرار مستغرب على استمرار الهيمنة الحكومية المفرطة على الاقتصاد

• لتوزع الدولة جزءاً من الفوائض المالية السنوية على المواطنين بالتساوي

Ad

• الحكومة بلا قصد تخلق بيئة مشجعة على الإفساد وتوليد الفساد

• لماذا ارتفعت أسعار المناقصات والمشتريات الحكومية؟!

* بداية كيف ترى عدم تعافي الاقتصاد الكويتي حتى الآن من الآثار والتداعيات التي خلفتها الأزمة المالية العالمية؟

- لقد تعافى الاقتصاد الوطني خلال السنوات الأخيرة لدرجة لا بأس بها من آثار وتداعيات الأزمة المالية العالمية، وهذا يبدو واضحاً في تحسن المراكز المالية للبنوك وعودة مختلف الشركات المحلية إلى الربحية، إلا أنه لايزال يعاني بعض الأصول الاستثمارية المتعثرة، والتي للأسف لم نوفر السياسة المناسبة لمعالجتها على الوجه السليم.

إن الخلل الهيكلي الاقتصادي العميق في الاقتصاد الكويتي كان ولايزال يكمن في استمرار هيمنة الدولة على تملك وإدارة الجزء الأكبر من أعمال الاقتصاد ومقدراته، وهو خلل لم تتم معالجته بعد، رغم انعكاساته الضارة ومخاطرة المستقبلية على وضع الاقتصاد والتنمية ومستقبل البلد.

* هل يمثل استمرار هذا الوضع للاقتصاد خطراً على القطاع المصرفي؟

- استمرار الوضع الحالي على حاله سيعرقل قدرة القطاع المصرفي على النمو والتوسع المطلوب منه، وإصلاح ذلك الوضع الاقتصادي العام أمر حيوي لضمان استقرار ونمو العديد من القطاعات الاقتصادية، بما في ذلك القطاع المصرفي.

والقطاع المصرفي كان بشكل متزايد يحتاج إلى خطوات جريئة في مجال الاندماجات البينية باعتبارها الأداة الأنجع والأفضل والأسرع في تقوية وترسيخ أوضاع البنوك وتمكينها بشكل فعّال من التغلب على الصعوبات التي قد تواجهها من حين الى آخر، خطوات تفتح امامها أبواب النمو الأسرع والتوسع الإقليمي والعالمي الأفضل، بما يساهم في تحقيق رؤية الكويت مركزاً مالياً وتجارياً إقليمياً رئيسياً.

* كيف ترى هيكل الاقتصاد الكويتي في ظل انخفاض اسعار النفط وتأثير ذلك على مستويات "الإنفاق"؟

- إذا استمر الاقتصاد الكويتي في اعتماده الحالي الخطير على الإنفاق الحكومي، وبالتالي على سعر النفط وتقلباته فسيكون معرضاً باستمرار لهزات عنيفة، خصوصاً مع تزايد ذلك الإنفاق الحكومي، وازدياد اعتماد الاقتصاد عليه، ويتطلب هذا الوضع خطوات استراتيجية أساسية جريئة وسريعة قبل أن يزداد الوضع سوءاً.

نفقات عامة

* ما تقييمك لمخاطر استمرار زيادة النفقات العامة في ظل أحادية الدخل، خصوصاً أنكم شخصياً سبق أن حذرتم منها في ظل أسعار مرتفعة للنفط، فكيف ترى الوضع حالياً؟

- الوضع الحالي مثلما ذكرت يعد خطيراً، ليس فقط بسبب تقلبات سعر النفط واحتمال تراجع أسعاره، بل في الزيادة السنوية المطردة في نفقات الحكومة المترتبة على زيادة عدد السكان، وأعداد القادمين إلى سوق العمل الواجب تلبيتها، بالإضافة إلى تراكم طلبات الرعاية السكنية المتزايدة، التي تتطلب حسب الأسلوب الحكومي الحالي توسعاً متزايداً في الرقعة السكنية من مدن وضواح جديدة تتطلب بدورها تكاليف طائلة في بنيتها التحتية، وأخيراً الإفراط غير المبرر في تأسيس المزيد من الهيئات والهياكل الإدارية الحكومية الجديدة المكلفة.

صحيح ان الكويت لديها حالياً من المصدات الاحتياطية التي تحميها، لكن إذا استمرت مؤشرات الوضع الحالي من تدني الإيرادات وزيادة المصروفات للسنوات القادمة بدون معالجة وتصحيح لازم، فإن ذلك يحمل مخاطر كبيرة على الاقتصاد وعلى البلد.

* كيف تبدو صورة ومشهد العجز المالي للكويت للمرة الأولى منذ سنوات طويلة؟ وكيف ترى سلبياتها على الشأن الاقتصادي و"السمعة" مروراً باحتمالية مراجعة التصنيف السيادي؟

- مثلما بينت، إذا لم تسارع الحكومة بوضع خطة تنموية حقيقية ومقنعة ومنتجة تحقق تنويعاً لمصادر دخل الدولة والاقتصاد الوطني، وتتمكن فعلا من وقف الهدر المتزايد في استخدام الخدمات والمصروفات العامة، وتحقق أفضل الاستخدام لثروتنا البشرية والمالية وتنميتها وزيادة فعاليتها، فإن العجز الحالي سيتزايد، وإنهاك الاحتياطيات المالية للدولة سيستمر، مخلفا وراءه كل النتائج السلبية الممكنة على الوضع المالي للدولة وتصنيفها الائتماني، خصوصا إذا رافق ذلك استمرار أسعار النفط على مستوى منخفض أو تراجعت أكثر.

* كيف يمكن معالجة خلل الميزانية وتوجيه الجانب الأعظم نحو الإنتاجية والتنمية الاقتصادية؟

- المعالجة السليمة لخلل الميزانية وزيادة معدلات النمو والإنتاجية واضحة ومجربة في مختلف دول العالم! وهي من خلال العودة إلى أصول الاقتصاد ومبادئ النمو الاقتصادية الصحيحة، وان نفهم انه لا يمكن للجهاز الحكومي في دولة ديمقراطية مثل الكويت، بما عليه من قيود ولوائح ومتطلبات حكومية وسياسية أن يقوم بنفسه بالكفاءة المطلوبة بتنمية شركات وصناعات ناجحة قادرة على المنافسة! أما مقارنة الكويت ببعض الدول الخليجية التي تجاوزتنا فهذه مقارنة غير صحيحة، فمعظم تلك الدول تدار تماماً كشركات تجارية ضخمة corporate وبعيدة عن النظام البيروقراطي الحكومي السائد عندنا.

لذلك فإن المعالجة السليمة المطلوبة للخلل في الميزانية، وكذا مختلف المشاكل الأخرى التي تواجهها البلد في مجال الخدمات، وهشاشة معدلات النمو الاقتصادي، تتطلب بشكل رئيسي تقليص دور الدولة في الاقتصاد، وتخفيف الأعباء الهائلة الحالية التي تنوء تحتها الأجهزة الحكومية في مجال الخدمات وإدارة العديد من المؤسسات التجارية، وذلك بما يحقق استنهاض قدرات القطاع الخاص والمواطنين واستخدامها على الوجه الأفضل في تملك وإدارة تلك المؤسسات، لتحقيق انتاجية فعالة ومطلوبة وتكلفة اقل لمعظم مخرجات الاقتصاد الوطني من سلع وخدمات، وفي جو تنافسي تجاري يشجع على المبادرة والنمو، ويحاصر فرص الهدر والفساد.

* هل تعتقد أن وجود فريق اقتصادي ووضع خطط استراتيجية متوسطة وقصيرة الأجل يمكن أن يحقق نجاحاً في إدارة الشأن الاقتصادي بعيداً عن أعباء الحكومة؟

- يفترض أن هذا الفريق الأساسي متوافر الآن بالفعل في مجلس التخطيط، وبعض المؤسسات الحكومية ذات العلاقة، ولا نحتاج بالتالي إلى مجلس جديد، وكل ما يتطلبه الأمر الاستماع إلى نصائحه وتوصياته والعمل بها.

* ما برأيك أفضل النظم الضريبية الفعالة التي يمكن ان تقود نحو تنمية اقتصادية وتكون مقبولة من "الخاص" ولا تمثل عامل ضاغط على الوضع الاقتصادي عموماً؟

- فرض الضريبة أيا كان نوعها على اعمال الاقتصاد الكويتي في وضعه الحالي لا يعتبر أداة مناسبة لتنويع الاقتصاد أو زيادة الكفاءة الإنتاجية أو تنميته أو معالجة الصعوبات التي تعترض طريقنا، بل العكس صحيح!

ففرض المزيد من الضرائب في الوضع الحالي سيترتب عليه تخفيض لمستوى المعيشة العام وارتفاع الأسعار، وتقليص جاذبية الاستثمارات الجديدة، بالإضافة إلى تكبيد الميزانية تكاليف الجباية والملاحقة اللازمة، التي ستكون عالية بشكل نحن في غنى عنه.

فرض الضرائب قد يكون مناسباً فقط عندما تتقلص هيمنة الدولة على الاقتصاد، وتنمو بيينا شركات وطنية ضخمة قوية تتمدد اقليميا، وتوفر زيادة ملموسة في نمو اقتصاد المواطنين ومؤسساتهم وشركاتهم، شركات لا تعتمد كثيراً على الإنفاق العام، فيصبح لدينا بالتالي بيئة دسمة لتحصيل حصيلة جيدة من الإيرادات تتجاوز تحميل المواطن والشركات أعباء إضافية متعبة.

إيرادات فعلية

* يوجد حديث متكرر عن تحسين مستويات ومجالات الإيرادات غير النفطية، فما نصيحتكم؟ وكيف يمكن ذلك؟ وما هذه المجالات التي يمكن أن تنجح كويتيا؟

- لا يوجد في الاقتصاد الكويتي إيرادات فعلية غير إيرادات النفط! وكل الإيرادات الأخرى من ضرائب ورسوم مرتبطة بشكل مباشر بإنفاق الدولة، الذي يعتمد بدوره على إيرادات النفط!

ولن يتحقق نمو إيجابي لازم في اعمال الاقتصاد، ولن تتولد فيه إيرادات حقيقية منفصلة عن إيراد النفط، مادامت أجهزة الدولة البيروقراطية هي التي تتحكم في تملك وادارة وتسيير اكثر من ٧٠ في المئة من أعمال الاقتصاد!

وبإمكان الحكومة تشجيع ظهور وتوليد العشرات من الشركات الوطنية القوية القابلة للنمو والتوسع والانطلاق الى خارج البلد، فتجلب للكويت إيرادات اضافية لا ترتبط كثيرا بالنفط، مثلما حصل لشركات رائدة كبعض البنوك مثل الوطني والتمويل وشركات قوية عالمية مثل شركة زين وأجيليتي وأمريكانا.

وهذا النمو لن يحدث الا اذا اقتنعت الحكومة تماما بجدوى تقليص اعبائها المتزايدة، وبادرت الى تطبيق ما تردده دائما من الاهتمام بالقطاع الخاص، وانه القاطرة التي ستجر قطار التنمية، فتبدأ ببرامج لتخصيص شركات الصناعة النفطية المختلفة وشركات النقل مثل الكويتية والنقل العام وشركات المطاحن والمواشي... إلخ، وتخلت الحكومة عن التوجهات الاشتراكية المتمثلة في قوانين الـ"بي أو تي" والشراكة وما شابهها من قوانين خنقت الاقتصاد وقيدت فرص تنميته الحقيقية، ومن خلال تطبيق مشروع التخصيص العام لقطاع الخدمات العامة بما فيه الجمعيات التعاونية.

هذه هي الصحوة التنموية الحقيقية التي نحتاج إليها والتي ستحسن من اوضاع الاقتصاد الوطني وتحصنه وتنميه، وتقلل من اعتماده الخطر على النفط وأسعاره وإنتاجه، وتوفر فرص العمل المنتجة واللازمة لعشرات الألوف من الشباب القادم إلى سوق العمل وتولد إيرادات حقيقية مطلوبة لا تتربط بإنتاج النفط.

* ملف البورصة... ما رأيك في انسحابات الشركات؟ وكيف ترى هذا المشهد؟

- يجب العمل ما أمكن على وقف موجة الانسحابات، فتراجع عدد الشركات المدرجة بهذه المعدلات أمر مزعج، ويؤثر على نفسية السوق، وعلى الجهات المسؤولة عن السوق في هيئة السوق وإدارة البورصة ووزارة التجارة، مع تقديري للجهود التي بذلوها، وضرورة مضاعفة تلك الجهود لأهمية الموضوع وحيويته للناس والاقتصاد، مثل تخفيف حمولة اللوائح والتعليمات والعقوبات والاشتراطات المختلفة والمكلفة، والتي كان لها دور كبير في دفع تلك الشركات إلى الانسحاب، لعدم قدرتها على التعامل معها، والتي أدت إلى مضاعفة الأعباء الإدارية والمالية على الشركات الباقية، خصوصا أن الكثير من تلك الإجراءات -في رأيي- قد تتناسب مع سوق رائج وتداولات ضخمة وساخنة، ومعاملات متعددة ومتشابكة تتطلب مثل تلك الإجراءات، وليس سوقنا الحالي البسيط والهادئ.

وعلينا أيضا التفكير جدياً في إقامة سوق منصة موازية على غرار السوق الرسمية، ويعطى تداولها نفس الأهمية، وتخصص لتدوال اسهم الشركات الصغيرة وتلك التي لا تستطيع الوفاء بشروط الإدراج الحالية.

هذه خطوات سهلة وسريعة تعالج بعض الظواهر الحالية، لكنها لا تعالج صلب المشكل والمتمثل في ندرة الفرص الاستثمارية المقنعة المتاحة في البلد، وضعف النمو في اقتصاد المواطنين وشركاتهم مع تراجع الإنفاق الحكومي والذي صاحبه قلق متزايد بشأن المستقبل وقدرة الحكومة على حل الصعوبات الاقتصادية التي تواجه البلد.

* ما أبرز التحديات التي تراها أمام الحكومة الجديدة؟

- إنها بلا شك تحديات صعبة! من أهمها العجز الكبير في الميزانية العامة، وتزايد نفقات القيام بأعمال الحكومة وتسييرها وارتفاع اعداد الخريجين سنوياً، مع صعوبة إيجاد وظائف لهم في اجهزة الحكومة، التي امتلأت تماما بالموظفين، وصارت تعجز حتى عن توفير أماكن لهم في إدارات الحكومة المختلفة، وتصاعدت معها المشاكل الإدارية في مختلف قطاعات الدولة المترهلة بسبب زيادة الأعباء الملقاة على عاتقها، وتدني مستوى الخدمات العامة، بسبب الزيادة الكبيرة في استخداماتها، وانتشار قلق لدى الكثير من الناس حول مستقبلهم المعيشي، مع تردي أوضاع سوق الأسهم وتجمد الرواتب، ورافق ذلك تقليص الدعوم، ورفع اسعار الوقود الذي سينعكس في ارتفاع عام في الأسعار، يضاف إلى ذلك المخاطر التي تحيق بالمورد الوحيد لمعيشة البلد.

وترتب على ذلك كله تململ من المجتمع، وانتقادات واسعة النطاق بين الحكومة والمجلس انعكست بوضوح على تزايد أعداد الأسئلة البرلمانية التي توجه إلى الوزراء، وكذا الاستجوابات التي يتعرضون لها بدون داع، وهذا ما ينبغي على الحكومة الاهتمام به ومعالجته قبل أن تتفاقم أكثر!

يتطلب هذا الوضع من الحكومة أن تقف وتفكر في الموضوع جليا، وان تتجاوز سياسة العيش من يوم إلى آخر، فتسارع إلى إعداد وتقديم خطة تنموية إصلاحية واقعية وحقيقية للاقتصاد، الذي هو اساس الاستقرار والتقدم للبلد.

معالجة العجز المالي

* هل التقشف كاف لمعالجة العجز المالي في الميزانية العامة، وما توجيهاتكم؟ وأين ترى مواطن الهدر برأيكم؟

- التقشف في حد ذاته لا يكفي لمعالجة الخلل وتغطية العجز، فالزيادة الحتمية في مصروفات الحكومة على أجهزتها الإدارية الهائلة ستبتلع أي حصيلة قد تتحقق من زيادة الضرائب، ورفع اسعار بعض الخدمات، كما ان الزيادة في مثل تلك الأعباء على كاهل المواطن ستخفض من مستوى المعيشة العام، فيزداد التململ والإحباط بين الناس. ولن يعالج من هذه المخاوف، ويحسن من ثقة الناس بأداء الحكومة وبرامجها، حيث يتقبلها الناس ويتعاونون معها، إلا إذا رافق مقترحات التقشف تقديم برامج للتنمية الحقيقية تحسن من مستوى المعيشة والخدمات.

ومظاهر الهدر في النفقات الحكومية واضحة، وتتمثل في تشييد تلك الأبراج الحكومية الضخمة والمكلفة صيانة وتشغيلا، ولا داعي لها سوى إيواء مئات الألوف من الموظفين الحكوميين الإداريين، والتي لا تحتاج الحكومة إلى الكثير منهم، وتبدو مظاهر الهدر جلية أيضاً في تأسيس العديد من الهيئات الحكومية، والتي لا حاجة للبلد أو الاقتصاد أو متطلبات معيشة الناس لأغلبها، وأخيراً ارتفاع اسعار المناقصات والمشتريات الحكومية بشكل غير معهود.

كل اشكال الهدر هذه تعود بشكل رئيسي إلى هيمنة الدولة على مؤسسات الاقتصاد، عندما اصبحت الجهات الحكومية مسؤولة عن صرف مليارات الدنانير سنوياً، فخلقت بدون أن تدري بيئة تشجع على الإفساد وتوليد الفساد!

*هل تؤيد مقترح ربط المناقصات بأن تكون الشركات المنافسة عليها شركات مدرجة في البورصة كأحد أساليب توزيع الثروة؟

- ليس بالضرورة، فكثير من الشركات العائلية الخاصة الناجحة تتجنب الإدراج في السوق، بسبب بعض شروطه, إن حكر المناقصات على الشركات المدرجة فقط يعني حرمان الدولة من أسعار أفضل وإنتاج أحسن، وقد يكون من المناسب بدلا من ذلك أن يكتفي بإعطاء نسبة تفضيلية للشركة المدرجة عن الشركة الخاصة.

* هل البورصة ضلع مهم في الاقتصاد؟ وما تفسيركم لإهمال معالجات ضعف السيولة؟

- طبعاً البورصة مهمة، خصوصا في الكويت، فهي مقر استثمارات عشرات الألوف من المواطنين الكويتيين وعائلاتهم بجانب العقار، ويفترض أن تكون المصدر الأساسي لتوفير التمويل للشركات الوطنية، عندما تشجع رجال الأعمال على تأسيس مشاريع وشركات جديدة يحتاج إليها نمو الاقتصاد.

تراجع السيولة في البورصة خلال السنوات الأخيرة يعود إلى الإحباط الذي ساد السوق، بسبب أوضاع الاقتصاد بشكل عام، وقلة الفرص الاستثمارية المحلية، بسبب هيمنة الحكومة على الاقتصاد، ويضاف على ذلك ان اهتمام الجهات المختصة بوضع السوق والاقتصاد لم يترجم بعد إلى نتائج ملموسة ومطلوبة، ومن الواجب مضاعفة المزيد من الجهود وتسريعها لتقديم وترويج سياسات وبرامج اقتصادية وتنموية وتصحيحية تنشر الثقة بين رجال الأعمال والمستثمرين وتشجعهم.

* ما نصيحتكم التي يمكن أن تسديها قبل الشروع في عملية الخصخصة للبورصة؟

- الهدف من تخصيص البورصة إحداث تحسين وتطوير مستوى الإدارة في البورصة، وتوفير خدمة أفضل للشركات المدرجة والمستثمرين، فتعمل على اجتذاب المستثمرين والشركات اليها، وذلك من خلال إدارة متخصصة تعمل بعيداً عن جو الشركات الحكومية.

فالبورصة أصلا ما هي إلا رخصة تجارية يمكن للدولة إصدار المزيد منها إذا تطلب الوضع ذلك، وهي لا تملك عمارات مشيدة، أو مصانع مدرة للدخل، وقيمتها الحقيقية كرخصة تتحدد فقط بقدرتها على تحقيق الإيرادات من وراء نشاطها، وحجم تلك الإيرادات وتوقعاتها المستقبلية.

وهذا بالطبع يرتبط بحجم إقبال الناس عليها، ومستوى التداول فيها، بالإضافى إلى عدد الشركات المدرجة فيها، واحجامها السوقية، وحيوية نشاطها.

ويجب أن نعي أنه طالما ظلت ظروف السوق ومستوى التداول فيه كما هي عليه، ولا يوجد في الأفق حتى الآن أمل ملموس بتحسن النشاط وازدياد حيويته، وتزايد أنواع الشركات المدرجة واربحاها، فإن إيرادات البورصة ستكون ضعيفة، وقد لا تغطي حتى مصاريفها التشغيلية.

لذلك يجب عدم المغالاة في تقدير رأسمالها، وبالتالي ثمنها المفترض حسابيا، وان يترك ثمن الرخصة بشكل رئيسي لتنافس الراغبين في شرائها.

ولإنجاح مشروع التخصيص يجب العمل أولاً بشكل أساسي على رفع جاذبية البورصة للشركات الوطنية، كي تقبل على الإدراج فيها، وتشجع المستثمرين المحليين والأجانب على تداول الأسهم عن طريقها، وان تضع البورصة، ومعها هيئة السوق، كل الوسائل المناسبة لتحقيق هذا الهدف الأساسي، بما في ذلك زيادة وتنويع الأدوات الاستثمارية المسجلة فيها، وتشجيع الصناديق والشركات التي تعمل كصانع سوق فيها، بل حتى منح تخفيض كبير أو إعفاء مؤقت من حصة البورصة والهيئة من رسوم التسجيل والتداول الحالية... إلخ، والإسراع في تلك الجهود، فكل تأخير أو تعقيد لا داعي له سيضاعف لاحقاً من جهود التطوير والتجديد.

البورصة الحديثة هي في الواقع «مول» كبير للأسهم، ومهمة صاحب المول الأولى، والأهم هي الحرص على ترغيب الزبائن بزيارة موله والتسوق فيه.

* في ظل ما تراه من أوضاع مأزومة لكثير من الشركات وعدم استقرار البورصة، كيف ترى استمرار تلك المخاطر على القطاع المصرفي؟

- كل ضعف للسوق أو الشركات المدرجة فيه أو تراجع في اسعار الأسهم المدرجة يؤثر بشكل مباشر على اوضاع البنوك، باعتبار أن الأسهم المدرجة فيها، والتي تتجاوز قيمتها 30 مليار دينار يمثل الكثير منها جزءاً ملموساً من ضمانات القروض المصرفية المحلية، وتعد عوائد تلك الأسهم من المصادر الأساسية لسداد فوائد القروض المرتبطة بها.

نصائح مرنة

* نريد عدة نصائح مرنة قابلة للتطبيق تحقق علاجاً واقعياً للوضع الاقتصادي الحالي؟

- تقليص حجم هيمنة الدولة على الاقتصاد، وتسهيل توفير الأراضي اللازمة للمشاريع الجديدة، مع إلغاء قوانين الـ»بي أو تي»، والشراكة المعرقلة للنمو الاقتصادي، وتخصيص الشركات الحكومية تدريجياً بأسلوب ذكي، وتخصيص الجمعيات التعاونية من خلال تحويلها إلى شركات تجارية يمتلك اسهمها مواطنو كل منطقة، ومشروع التخصيص العام.

* لماذا تتعثر برأيك مشاريع الخصخصة وتتراجع الرغبة في تخصيص ما تحت يد الحكومة من أنشطة اقتصادية للقطاع الخاص وأبرز مثال تأخر خصخصة الكويتية للاستثمار؟

- يعود تعثر التخصيص بشكل عام إلى عجز قانون التخصيص الحالي ونصوص مواده المعيبة، والتي لا تتناسب اطلاقا مع اهدافه المعلنة بل تعوق منها، يضاف إلى ذلك أوضاع السوق الحالية، وتدخل العوامل السياسية في تعطيل مشاريع التخصيص الممكنة، وأثر ذلك كما يبدو على حماس وحيوية ومبادرات القائمين على جهود التخصيص!

أغراض تجارية

* ما الآلية المناسبة والناجعة التي يمكن أن تحقق مساهمة أكبر وزيادة أوسع لنصيب «الخاص» في الناتج المحلي الإجمالي؟

- مرة أخرى، لا يوجد بشكل رئيسي سوى التخصيص! مع تعديل سياسة الأراضي الحكومية بحيث تضاعف كمية المساحات المخصصة للاغراض التجارية والصناعية، والغاء قوانين الشراكة والبي أو تي، التي ألحقت أفدح الضرر بالنهضة الاقتصادية، وأثرت على جاذبية الاستثمار المحلي، وعطلت مسيرة التنمية التي خططنا لها منذ منتصف التسعينيات، وأصبحت كل المشاريع الضخمة الجديدة في البلد من مولات وشركات محطات الكهرباء، بل حتى الفنادق أحيانا هي مشاريع مؤقتة تعود إلى حضن الدولة البيروقراطي، فتنام فيه وتنتهي حيويتها، فجفت البيئة الحاضنة اللازم توافرها لقيام شركات قوية مستمرة وتنموية.

ويتطلب الأمر أيضاً تسهيل إجراءات العمل الروتينية أمام الشركات ورجال الأعمال لدى وزارات الدولة المختلفة من خلال مشروع النافذة الواحدة، وللأسف أنشأت الدولة المزيد من الهيئات الحكومية، فتزايد عدد النوافذ الحكومية بدلاً من تقليصها!

* إلى متى سيستمر وضع الاقتصاد الكويتي مأزوماً بعد الدخول في العام السابع منذ اندلاع الأزمة العالمية؟ ولماذا فشلت كل المقترحات والحلول في آن تجد طريقها للتطبيق منذ لجنة المحافظ التي شاركتم فيها شخصياً؟

- السبب الأساسي مرة أخرى هو ضعف السياسة الاقتصادية الحكومية وترددها في تنفيذ الإصلاح الحقيقي، ورافق ذلك، للأسف، إصرار مستغرب من مسؤولين في الدولة على الاستمرار في هيمنتها المفرطة على الاقتصاد، وما يترتب عليها من أزمات متكررة وأداء ضعيف وتكلفة كبيرة، وتسبب احتقانا سياسيا يتزايد بين مجلس الأمة والحكومة.

وطالما استمرت هذه الهيمنة المفرطة بدون تقليص، واستمر حجم مسؤوليات الدولة تجاه المواطنين واعبائها الإدارية الهائلة والمتزايدة سيظل البلد يدور ونحن معه في خضم هذه الدوامة الخطيرة والضارة اقتصاديا وسياسيا.

الأفضل سحب الدولة من الاحتياطي لتغطية العجز
أكد البدر أن الاقتراض سواء للأفراد أو للدول يكون لتمويل مشاريع منتجة ومدرّة للدخل، كي يتمكن المقترض من سداد القرض خلال فترة معينة أو أن يكون اقتراضاً قصير المدة لتمويل عجز طارئ في الدخل لا يتوقع استمراره، لذلك فالاقتراض - وبفوائد أعلى من فوائد الإيداع لدى البنوك- وذلك فقط لتمويل نفقات استهلاكية خصوصاً إذا كان استهلاكاً «ترفياً»، وبشكل متكرر كل عام فهذا نهج خطير ولا يصح التوسع فيه.

بل واستسهال الاقتراض سواء محلياً أو خارجياً سيحبط من دوافع الإصلاح، ويؤدي إذا تزايد إلى تراجع التقييم الائتماني وتتبعه زيادة تكلفة الإقراض والعبء على الدولة.

ومن المعلوم ضمن هيكل السوق المصرفي الكويتي، أن اقتراض الدولة بمبالغ كبيرة وبالدينار من البنوك المحلية بغرض سد العجز في نفقاتها الاستهلاكيه سيولد ضغطاً غير محمود على الأصول الأجنبيه للبنك المركزي.

لذلك، فإنني أرى أن يغطى العجز الحالي ما أمكن من أموال الاحتياطي العام السائلة، خصوصاً أن تلك الأموال لا تدر حالياً عوائد تحيّد تكلفة الاقتراض المتوقعه، وقد يضاعف هذا الأسلوب من الضغوط المطلوبة على الجهات المسؤولة للإسراع بجهود إصلاح الاقتصاد ووقف الهدر الحالي في النفقات العامة.

* كيف تقيم دور الهيئة العامة للاستثمار تجاه الاقتصاد الكويتي؟ وهل مطلوب منها دور محلي أم أن دورها خارجي؟

- تقييمي لدور الهيئة مجروح بسبب عملي السابق فيها! إلا أنه يمكن القول ان الهيئة العامة للاستثمار واحدة من اهم مؤسسات الدولة المالية، وتقوم بواجبها ومسؤولياتها على وجه طيب ومنتج في إدارة احتياطيات الدولة.

إن مهام الهيئة كما نص عليه القانون استثمار احتياطي الأجيال في استثمارات خارجية متنوعة، بالإضافة إلى استثمار أموال الاحتياطي العام في مشاريع محلية استراتيجية، ويتم ذلك عادة تنفيذاً لقوانين وقرارات حكومية.

استثمار محلي

وفي رأيي ان أعمال الاستثمار المحلي يجب ان تترك من ناحية المبدأ لرؤوس الأموال الوطنية واموال المواطنين، فلا تنافسهم في ذلك، ولا تشارك الدولة إلا في بعضها إذا ارتأت جدوى وجودها فيها من الناحية الاستراتيجية.

ويتوقع من الهيئة، بصفتها الجهاز الحكومي الخبير في اعمال الاستثمار ان تقدم إلى الحكومة من حين لآخر توصيات قد تراها مناسبة، وتحث عليها لمعالجة المتاعب التي قد يتعرض الاقتصاد المحلي لها.

* نريد منكم تحديد عدة قرارات يمكن أن تحقق صدمات إيجابية بمنزلة إفاقة وإعادة انعاش للوضع الاقتصادي؟

- هناك عدة قرارات يمكن الاستفادة منها لتنشيط الاقتصاد وتنميته، وإيجاد فرص استثمارية جذابة لرجال الأعمال والمستثمرين، وتعطي أملاً مطلوباً للمجتمع الاقتصادي وللمواطنين كافة، ومن أهمها قرار شامل واستراتيجي مهم يحقق صدمة إيجابية تغني عن ألف صدمة.

ويتمثل ذلك في إعلان الحكومة أنها جادة في تنفيذ مشروع التخصيص العام المعروض عليها منذ سنوات، ويتضمن بشكل أساسي تمليك المواطنين وبالتساوي كل الأعمال التجارية والخدمية، التي تقوم بها الدولة، وتسعير الخدمات العامة بعدها وفق الأسس التجارية، وبما يغطي تكلفتها، ويرافق ذلك تقديم تأمين صحي وتعليمي لكل المواطنين وتوفير شبكة «أمان» اجتماعية للطبقات الأقل دخلاً، وتوزيع جزء من الفائض السنوي في الميزانية بين المواطنين كافة وبالتساوي.

بعد ذلك تأتي بعض القرارات والبرامج التكتيكية الإصلاحية والمحفزة للسوق والتنمية، منها قرار باستعجال استكمال الخطوة الثانية من الاستحواذ على صفقة «أمريكانا»، الخاصه بشراء الأسهم المتبقية بيد الناس، وتخفيف تلك القيود الإجرائية المطولة، التي لا حاجة لها في رأيي خصوصاً بعد أن تم بيع الجزء الأكبر من الشركة.

إن مثل هذا القرار سيدفع بمبلغ 300 مليون دينار إلى السوق مرة واحدة وهذا يعادل قيمة تداول أكثر من 80 يوماً في البورصة! وستعيد الحيوية إلى السوق عندما يبحث أصحاب تلك الأموال عن استثمارات بديلة.

وعلى الصعيد ذاته، بإمكان هيئة الاستثمار مثلاً أن تكرر برنامجها، الذي طبقته في نهاية التسعينيات فأدخلت حيوية ونشاطاً كان السوق والاقتصاد في أمس الحاجه إليهما آنذاك، ووفر فوق ذلك سيولة تجاوزت المليار دينار للدولة، في وقت تراجع سعر النفط فيه إلى 8 دولارات، بل نجح ذلك البرنامج في إعادة بعض الأموال المهاجرة من الخارج.

والآن بإمكان الهيئة النظر في إعادة استخدام الأسهم، التي جمعتها في المحفظة الوطنية على مر السنوات الخمس الماضية، والكثير منها هو أسهم في شركات جيدة وتشغيليه، قد تكون مطلوبة لكبار المستثمرين،

من خلال قيام الهيئة بفرز تلك الأسهم في شرائح ذات حجم مطلوب

ومؤثر وتدعو المستثمرين الاستراتيجيين إلى المزايدة عليها، فقد تجدد الاهتمام عند كبار المستثمرين في السوق، وتبثّ النشاط فيه وتسترجع المزيد من الثقة، التي هو بأمس الحاجة إليها.

وهناك قرار آخر منتج وسهل التنفيذ، ويثبت للرأي العام جدية الحكومة وتصميمها على الإصلاح المطلوب، وهو أن تعلن الحكومة أنه من الآن فصاعداً، كل مشروع من مشاريع الـ»بي أو تي» القائمة مثل مشاريع المطاعم والمولات والفنادق سوف تعرض للبيع في مزادات علنية أرضاً ومبنى عند انتهاء عقد كل مشروع.

ولتشجيع المستثمرين على الإقبال، كذلك تحسين سعر المزاد واحتياجات طبيعة الصفقة، يوفر بنك الائتمان للفائز كفالة مصرفية تساعد المشتري في الاقتراض من البنوك المحلية لتمويل جزء من ثمن الصفقة، مع رهن عقار المشروع لبنك الائتمان كضمان.

وإذا رغب بنك الائتمان أو احتاج سيولة، تضع الحكومة ودائع معه لتدعم قدرته الائتمانية، مستخدمة في ذلك جزءاً من حصيلة المزادات، والأخذ بهذا الاقتراح سيحقق فوائد كثيرة للدولة والسوق والشركات المدرجة،

وسيحرك المياه الراكدة فيه، فهو يطرح فرصاً استثمارية جيدة وحقيقية و مربحة ومرغوبة بين أيدي المواطنين والشركات، هذه الفرص قد يتجاوز حجمها 500 مليون دينار خلال سنوات قليلة، سيجتذب أموالاً راكدة في البنوك أو مهاجرة في الخارج، وسيوفر فرصاً إقراضية مناسبة مطلوبة للجهاز المصرفي، وستحقق الدولة حصيلة نقدية دسمة تستفيد منها في تمويل احتياجات الميزانية، وتخفف أيضاً من الأعباء الإدارية الثقيلة الواقعة حالياً على عاتقها في متابعة تلك المشاريع وتجديد عقودها، وأخيراً سوف يشجع مثل هذا القرار المستثمرين على تطوير تلك المشاريع وضخّ الاستثمارات الإضافية في تحسينها ورفع مستواها دون أي تردد أو تخوف، كما الحال الآن في تلك المشاريع، خصوصاً عندما تقارب عقودها الحالية على الانتهاء.

وأخيراً، ولأن قطاع التجزئة يعد من أهم قطاعات الاقتصاد في أي بلد، وهو قابل للنمو والتوسع بشكل سريع ومنتج، فعلى الحكومة أن تقدم على تخصيص إحدى الجمعيات التعاونية كمشروع تجريبي، إن نجح وحاز قبول الناس يتم تعميمه تدريجياً، وذلك عن طريق تحويل تلك الجمعية إلى شركة تجارية بنفس مساهميها الحاليين، وتستأجر الشركة عقارات مرافقها الحالية من الدولة بعقد ثابت طويل الأجل وبإيجار يحدد بنسبة معينة من أرباح الشركة الصافية كل سنة، على أن يمنع تداول أسهم تلك الشركه فترة زمنية معينة ، ثم يسمح به تدريجياً على عدة سنوات لاحقة، ويتاح لتلك الشركات بعد مرور عدة سنوات الاندماج فيما بينها بحيث يكون للكويت بعد عشرين سنة مثلاً خمس أو عشر شركات تجزئة ضخمة وقوية يتوسع نشاطها إلى خارج البلد مثل شركات كارفور و وول مارت وغيرها.

* يرى البعض أن الحديث عن عجز في الميزانية هو ورقي وصوري لكن في الحقيقة لا يوجد عجز في ظل عوائد استثمارات الدولة الخارجية التي تزيد عن 600 مليار دولار؟

- العجز هو الفرق بين دخل الدولة من إيرادات النفط والضرائب والرسوم المختلفة ومصروفات الميزانية العامة، وهو عجز نقدي حقيقي وكبير، أما عوائد استثمارات الاحتياطي العام، فيجب أن تضاف إلى الاحتياطي نفسه، ولا يجوز منطقياً اعتبارها من الإيرادات السنوية العادية لميزانية الدولة وإلا انتُفي الغرض الأساسي من ذلك الاحتياطي، فالاحتياطي العام هو كما تدل تسميته هو «مال احتياطي» تلجأ إليه الدولة

عند الحاجة فقط لسد العجز اللازم تغطيته.

أما احتياطي الأجيال، فهو وعوائده من الناحية القانونية بل والأخلاقية أيضا ملك لأجيالنا القادمة، ولا يجوز المساس بها، فهو حصة تلك الاجيال من الثروة النفطية الناضبة التي نعيش عليها الآن، ولا يجوز لنا بأي حال من الأحوال أن نعتبره مال الجيل الحاضر نتمتع به تاركين أحفادنا لمصير مظلم ينتظرهم إن نضب النفط خصوصاً بعد أن عجز جيلنا عن بناء اقتصاد منتج قوي ومتنوع المصادر نورثه لهم.

وتصحيحاً للفهم الخاطئ السائد عند البعض، فالعائد الفعلي لتلك الاستثمارات هو العائد النقدي لها من فوائد وتوزيعات نقدية والمعدل الحالي العالمي لها حالياً في حدود 3 في المئة سنوياً، أما التحسن في القيمة السوقية لتلك الاستثمارات، فلا يمكن اعتباره عائداً فعلياً يمكن التصرف به، فهو عرضة للتقلبات من سنة إلى أخرى، بل أحياناً يكون بالسالب! في بعض السنوات.

* ترى جهات رسمية أن هناك إنفاقاً استثمارياً مهولاً يراه مراقبون في المقابل بلانتيجة اقتصادية... كيف ترون ذلك؟

- معظم النفقات الرأسمالية في ميزانيات السنوات الأخيرة وجهت إلى تطوير الشوارع وبناء الجسور والمدارس والمستشفيات وتلك المشاريع غرضها زيادة إنتاج الخدمات وتحسين نوعية الحياة للمواطنين وهو بالطبع أمر محمود، لكنها تظل مشاريع مكلفة لا تدر دخلاً مباشراً للدولة أو للاقتصاد، بل ستحمل الميزانية العامة في قادم الأيام مصاريف تشغيلية مرتفعة، والتوسع فيها لا يضمن ظهور أو نجاح شركات وأنشطة تجارية وتنموية ملموسة أو فرص استثمار قوية مستديمة متنوعة يحتاجها الاقتصاد.

* وهل يمكن أن تستوعب المصارف تمويل الدولة والمشاريع التنموية وتلبية الطلب على القروض الإستهلاكية والمقسطة.

- البنوك المحلية لديها سيولة وافرة، وتتمتع بمراكز مالية قوية قادرة على تمويل احتياجات الاقتصاد الوطني المعتادة من القروض الاستهلاكية وقروض تمويل الشركات في تنفيذ المشاريع التنموية

وتجارة الاستيراد، لكن تمويل عجز الميزانية العامة الحالي، الذي يقدر بحدود 5 مليارات دينار سنوياً سيتطلب ضخ ودائع حكومية إضافية في الجهاز المصرفي.

النموذج الاقتصادي الأنسب والأفضل للسوق الكويتي

قال البدر إن الاقتصاد الكويتي يجب أن يعتمد ويستفيد من الموقع الجغرافي الفريد للكويت وتراثها التجاري الإقليمي وثروتها النفطية والبشرية المتعلمة، فيحيي تاريخه الشهير على مر القرون الثلاثة الماضية كمركز مالي وتجاري إقليمي رئيسي، وهذا التوجه يتطلب التركيز على الأنشطة الصناعية المتوسطة والتوسع والاستثمار في الأنشطه التجارية والمالية

والخدمات الاستثمارية وقطاعات الخدمات المختلفة بما في ذلك، وبوجه خاص خدمات النقل البحري والجوي والبري.

على أن هذا الأمل، وللأسف، لن يتحقق إذا استمر الإصرار الحكومي الحالي على هيمنة الدولة المفرطة على أعمال الاقتصاد ومؤسساته

واستمر الاقتصاد معها اقتصاداً ريعياً خالصاً فيعيش الوطن كله على تدفق حقل برقان، ونظل كذلك إلي أن يقضي الله أمراً كان مفعولا!