كانت فنلندا من أولى دول العالم اهتماماً بحق المرأة في المشاركة السياسية، ولذلك، فقد منحت المرأة حق التصويت في الانتخابات عام 1906، لكنها انتظرت أكثر من مئة سنة لتشغل النساء نسبة 41 في المئة من مقاعدها البرلمانية، ولتحتل المرتبة الثالثة بين دول العالم لجهة التمثيل النسائي في البرلمان.

لكن دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تأسست عام 1971، ومنحت المرأة حق التصويت في الانتخابات عام 2006، عينت ثماني نساء في المجلس الوطني الاتحادي (البرلمان)، الذي تم تشكيله في 2015، من بين عشرين عضواً معينين، بنسبة 40 في المئة.

Ad

بعد تعيين النساء الثماني في برلمان 2015، بات إجمالي عدد العضوات تسعاً، بنسبة 22.5 في المئة من إجمالي عدد الأعضاء البالغ 40 عضواً، بالنظر إلى انتخاب سيدة عن إمارة رأس الخيمة.

بين منح المرأة في فنلندا حق التصويت، ومنحها في الإمارات الحق نفسه، قرن كامل، لكن ما أنجزته المرأة الإماراتية على صعيد التمكين السياسي والاقتصادي والاجتماعي لا يعكس هذا الفرق الزمني الشاسع؛ إذ يمكن القول إن مؤشرات التمكين السياسي للمرأة الإماراتية تكاد تكون مقاربة لتلك السائدة في أرقى المجتمعات الأوروبية، وهو أمر يعكس بجلاء الإرادة السياسية للإمارات فيما يخص موضوع التوازن بين الجنسين.

يقوم نظام الانتخابات السياسية العامة في الإمارات على فكرة التدرج؛ وهي فكرة تبدو منطقية في إطار تعزيز المشاركة السياسية في دولة وليدة، حققت تقدماً كبيراً في معظم المجالات، لكنها تعيش في سياق إقليمي، وإطار ثقافي واجتماعي، أقل انفتاحاً على الأفكار الحداثية، مقارنة بالمجتمعات الغربية.

لذلك، لم يكن من المستغرب أن تنجح سيدة واحدة، من بين عشرين عضواً منتخباً، في حصد ثقة الجمهور في الانتخابات العامة التي جرت في نهاية العام الماضي، بنسبة 5 في المئة فقط من إجمالي الأعضاء المنتخبين.

يعطي القانون لحكام الإمارات الحق في تعيين 50 في المئة من أعضاء المجلس الوطني الاتحادي، الذي يمثل إحدى السلطات الدستورية الخمس في دولة الإمارات؛ وهو حق يمكن من خلال ممارسته معرفة نوايا الحكام وتوجهاتهم فيما يخص إدارة العمل الوطني.

بمقارنة النسبة التي حصلت عليها النساء في الانتخابات العامة لعضوية البرلمان (5 في المئة) بالنسبة التي حصلن عليها عبر التعيين بقرار سياسي من حكام الإمارات (40 في المئة)، يبرز الفارق الذي يمكن أن يجسد التوجه الاستراتيجي للقيادة السياسية في البلاد.

وبمقارنة النسبة التي بلغتها المرأة الفنلندية في التمثيل البرلماني بعد مئة عام من المشاركة السياسية، بالنسبة التي بلغتها نظيرتها الإماراتية بعد عشر سنوات فقط من تلك المشاركة، تبرز صورة المستقبل كما تريد الإمارات أن تراه، وتبرز أيضاً معالم القدرة على الإنجاز.

لذلك، لم يكن مستغرباً أبداً أن تكون سيدة إماراتية هي الدكتورة أمل القبيسي على رأس المؤسسة البرلمانية الإماراتية، لتصبح أول امرأة عربية تتولى رئاسة البرلمان في بلادها، على مدى نحو 150 سنة من الممارسة البرلمانية العربية.

ولم يكن مستغرباً أيضاً أن تكون كلمة الدكتورة القبيسي في افتتاح "القمة العالمية لرئيسات البرلمانات"، التي عقدت في أبوظبي، في الفترة من 12 إلى 13 ديسمبر الجاري، تحت عنوان "استشراف المستقبل"، تكريساً لدور المرأة الإماراتية في العمل الوطني من جهة، وتعزيزاً لمسؤوليتها تجاه صنع مستقبل العالم، عبر التعاون مع نظيراتها في شتى الدول، من جهة أخرى.

فعلى مدى يومين اجتمع نحو ألف من المشاركين والمشاركات في القمة، التي شهدتها العاصمة الإماراتية أبوظبي، من بينهم نحو 100 شخصية عالمية بارزة، وأكثر من 400 برلماني يمثلون 50 دولة، ونحو 200 من الشباب، فضلاً عن قادة سياسيين، ودينيين، ومسؤولين حكوميين، وأصحاب مشروعات ومبادرات خاصة، ورؤساء منظمات، وعلماء ومخترعين، ليناقشوا موضوعات تخص مستقبل العالم، ودور البرلمانات في تشكيل هذا المستقبل.

لقد أتيحت الفرصة لرئيسات البرلمانات في عدد من مختلف دول العالم للتعبير عن أفكارهن ورؤيتهن للأدوار التي يمكن أن تلعبها الجمعيات الوطنية في التصدي للتحديات ومواجهة المشكلات وصياغة المستقبل.

الشعار الرئيس لهذا الحدث البارز وغير المسبوق على المستوى الدولي كان "متحدون من أجل تشكيل المستقبل"؛ وهو شعار يعبر عن توجهين رئيسَين في سياسة دولة الإمارات الخارجية؛ أولهما الاتحاد والتعاون والتنسيق ونبذ الفرقة والنزاع، وثانيهما النظر إلى الأمام والعمل من أجل المستقبل المشترك.

بسبب هذين التوجهين الرئيسين، حرص وزير الداخلية الشيخ سيف بن زايد، في الكلمة التي ألقاها في افتتاح القمة، على أن يركز على موضوع "تحويل التحديات إلى فرص"، بعدما ضرب عدداً من الأمثلة على مشكلات كبيرة تم التعامل معها بحكمة، فتحولت إلى مزايا وعناصر تفوق.

لم يكن بمقدور الإمارات أن تصل إلى هذه الدرجة من درجات التمكين السياسي للمرأة وتحقيق التوازن بين الجنسين من دون إرادة سياسية واستراتيجية فعالة.

اليوم تتصدر الإمارات قائمة الدول العربية لجهة التمكين السياسي للمرأة؛ ويوجد في حكومتها ثماني وزيرات، بنسبة 27.5 في المئة من إجمالي الوزراء، وبينهن وزيرة لم يتعد عمرها 22 عاماً حين تم تعيينها.

سيمكنك أن تجد بذور هذا الإنجاز في توجيهات القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان، كما ستلمسها كذلك في قرارات القادة والحكام على مدى العقود الأربعة الفائتة.

لكن تلك الرؤية لم تكن قادرة على أن تنعكس في سياسات من دون استراتيجية فعالة؛ وهي الاستراتيجية التي ظهرت ملامحها الأساسية في إنشاء الاتحاد النسائي العام قبل نحو أربعة عقود، وبعد أربع سنوات فقط من إنشاء الدولة.

وتفعيلاً لذلك التوجه، تم إعلان الاستراتيجية الوطنية لتقدم المرأة في عام 2002، برعاية وتوجيه مباشرين من الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام؛ وهي الاستراتيجية التي حددت أهدافاً بتوقيتات ملزمة، لتمكين المرأة في شتى المجالات.

عبر تلك الرؤية الطموح والمتوازنة سياسياً وأخلاقياً، ومن خلال الاستراتيجية الفعالة، المنعكسة في هيئات وبرامج وسياسات، أنجزت الإمارات اختراقاً في مجال تمكين المرأة، وهو اختراق يضاف إلى سجل كبير من الإنجازات الملهمة.

* كاتب مصري