العنوان السابق هو شعار جامعة (LSE) London School of Economics، وهو اقتباس جاء من اللغة اللاتينية، متبع في الجامعات البريطانية، ولكل منها شعار خاص بها.

اختيار العنوان كشعار لهم يدل على نهجهم في التعليم والمراد منه، وليس دورهم فقط هو التعليم، بل الأهم من ذلك هو البحث والوصول لحقيقة الأشياء، ومعرفة لبها وجوهرها، وهذا يعني فتح الباب على مصراعيه للنقد والأسئلة، مهما كانت حادة وجريئة، فهي مقبولة منهم، ويجب نبشها وطرحها بكل صراحة، لأن الهدف هو تحرير العقل للوصول لأبعد من المعرفة العامة السطحية، بل يجب الغوص إلى ما وراء تلك المعارف، وهذه لن تتأتى عن طريق توصيل المعلومة لدارسها، بل يجب حرثها بمحراث العقل النقدي.

Ad

جامعة "LSE" من الجامعات العريقة في العالم، مختصة بالعلوم السياسية والاقتصاد، وتصنيفها الثامنة على العالم كله.

تأسست عام 1895 بالعاصمة البريطانية لندن، وحاصلة على أعلى الرتب في التصنيف العالمي، كما أنها من أعلى الجامعات البريطانية في تخصصات علوم الاجتماع، وتبلغ نسبة عدد الطلاب الأجانب فيها 70 في المئة، ويبلغ عدد جنسيات طلبتها 155 جنسية.

تخرج فيها 52 رئيس دولة، بعضهم يحكم إلى الآن، أو من كان يحكم بالسابق، ومنهم مثلا بيير تروديو رئيس وزراء كندا من 1868 إلى 1984، ورئيس الولايات المتحدة جون كيندي، وأيضا ملكة الدنمارك مارغريت الثانية، ورئيس وزراء إنكلترا كلمنت اتلي، وغومو كينياتا رئيس كينيا السابق... إلخ.

تخرج فيها أيضا 19 من الحاملين لجائزة نوبل في تخصصات الاقتصاد، والسلام، والآداب، ومنهم جورج برنارد شو، وأيضا برتراند راسل. وتعد أكثر جامعة تخرج فيها ملياردرية العالم، كما يعتبر خريجوها أكبر الخريجين دخلا بعد التخرج.

حضرت في 15 ديسمبر 2016 حفل تخرج طلاب الماجستير للاقتصاد والعلوم السياسية، وكان ابني من بين الخريجين الحاصلين على درجة الامتياز، هذه الجامعة لا تقبل للدراسة فيها إلا الطلاب الحاصلين على تقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وأيضا هذه قد تكون لا تكفي للقبول بسبب التنافس على المقاعد المخصصة من الجامعة.

الحمد الله ابني استطاع الحصول على القبول والنجاح المتفوق أيضا.

ما أريد الحديث عنه، هو دقة تفاصل حفل التخرج، والاهتمام بها بشكل انضباطي رهيب، لكل تفصيلة من تفاصيل إخراج الحفل سارت مثل عقارب الساعة، لا يوجد أي خلل أو ترهل أو عدم انضباط من جميع من فيه، سواء كانوا من كبار الأساتذة والمدراء أو الطلاب من شتى أنحاء العالم، أو الآباء والأمهات الآتين من جهات متعددة من الكرة الأرضية، بعادات وتقاليد ولغات مختلفة، إلا أن الجميع كانوا في انضباط سلوكي عجيب. وهذا الانضباط يعد سمة للشعب الإنكليزي بالدرجة الأولى، إضافة إلى المعايير الخاصة بعراقة ورقي هذه الجامعة.

النظام يبدأ من البوابات الخارجية، حيث يوجد مرشدون يقودون ويوجهون الأهالي والطلاب، لكل خطوة يخطونها من البوابات والسلالم والمداخل وأرقام الكراسي التي وزعت أرقامها على الطلاب قبل شهر، بواقع دعوتين لكل طالب، ما يساعد على الترتيب بشكل منضبط، كما أُخذت مقاسات أرواب الطلاب قبلها بوقت طويل عبر مراسلات تمت عن طريق الإنترنت.

الحفل كان في مسرح الجامعة المسمى بالطاووس، وهو مسرح جميل مكسو ومؤثث على الطريقة الكلاسيكية الإنكليزية العريقة.

الحفل بدأ بعزف موسيقي حي بالكمان والتشيلو والناي، بعدها صعد عريف المسرح فقط ليعلم الحضور طريقة تشرح وتبين لهم حركة الخروج والدخول لكل مدرج في القاعة، نظام دقيق ومحسوب، ربما لا يوجد إلا في إنكلترا المبنية على النظام الصارم.

الحفل أيضا سار بنفس هذه الدقة الآلية العجيبة، من رئيسة الجامعة إلى العمداء ورؤساء الأقسام والطلاب، الكل أدى دوره مثل مسمار في آلة، لا خطأ إنسانيا فيها، إلا ربما في حركة جاءت من طالبة عانقت الرئيسة حين سلمت عليها، وطالبة أخرى طلبت منها أن تستدير ليصورها أهلها معها.

هذا النظام والانضباط اللافت للنظر لم أشاهده حتى في أميركا عندما حضرت تخرج ابنتي، وطبعا لا يمكن أن يُقارن بفوضى حفلات التخرج عندنا وسيرها على البركة.

تمنيت أن يكون حال حفلات التخرج وغيرها من الحفلات التي تتم في الكويت، أن تتسم بروح النظام العالي والانضباط الصارم، المحترم لخصوصية المكان ولآدمية الحضور، ما يُبعد الضرر ويقلل من المشاكل.