في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، ومع زيادة موجات العنف، اجتهد صانعو السينما في رصد هذه الظاهرة وتقديم حلول لها كما في رائعتي الفنان عادل إمام «طيور الظلام و«الإرهابي»، حيث استعرض الأفكار الهدامة والآراء الفقهية والمنابع التي يحصل منها الإرهابيون على فتواهم ومعلوماتهم.وفي سنوات تالية، لفت البعض إلى المناطق التي يولد فيها الإرهاب نتيجة للجهل والفقر مثل العشوائيات، وهو ما أظهره المخرج خالد يوسف في فيلمه «حين ميسرة»، وبيّنه زميله محمد ياسين في «دم الغزال»، ولمحة أخرى قدمها المخرج مروان حامد في «عمارة يعقوبيان»، موضحاً كيف أن ظلم الأجهزة وعدم المساواة بين المواطنين يدفعان البعض قهراً إلى الانخراط في صفوف المتطرفين انتقاماً من كل من ظلمهم ونكل بهم. كذلك يرصد فيلم «كباريه» للمخرج سامح عبد العزيز كيفية صناعة الإرهابي، والأفكار التي يعمل بعض الجماعات على إقناعه بها لتنفيذ العمليات الدموية.
يبرز أيضاً بين الأعمال التي تناولت الإرهاب «حسن ومرقص» لكل من الزعيم عادل إمام والراحل عمر الشريف، إذ أظهر الفيلم أن ثمة متشددين من المسلمين ومن المسيحيين، ما يساهم في تشكيل مناخ خصب لنشأة الإرهاب.كذلك يحلّق في المضامين نفسها فيلم انتهى منه محمد رمضان أخيراً بعنوان «جواب اعتقال»، وعمل يصوره راهناً أحمد عز مع المخرج طارق العريان هو «الخلية». يؤكد مؤلف الأخير صلاح الجهيني أن الفيلم يتحدث عن الإرهاب المنتشر في العالم كله وليس مصر فحسب، وأن للسينما دوراً مهماً في حل هذه المشكلة لكنها تأتي بعد سلسلة أدوار مهمة مثل المنزل ودور العبادة وغيرها.يتابع: «دور السينما غرس القيم في الإنسان، وليس المواجهة المباشرة مع الإرهاب، فالمرء لا يعيش بمفرده وعليه تعلم كيف يتقبل الآخر باختلافاته كافة بداية بالعقيدة وانتهاء بالأفكار. في هذه الحالة، سيكون من الصعب انخراطه في صفوف التطرف».الجهيني يرى أن السينما لا تستطيع التصدي للإرهاب مباشرة رغم كم الأفلام الهائل الذي يرصد هذه الظاهرة، فهي للأسف متجدّدة والإرهابي يحرّم مشاهدة الفنون عموماً، مضيفاً أن «هدف السينما الراهنة الأول إمتاع المشاهد، والهدف الثاني غرس القيم الوطنية والإنسانية التي من خلالها نحاول منع شباب آخرين من دخول هذا المستنقع».ومع تطور المجتمع والسينما علينا، بحسب الجهيني، أن «ننظر إلى متطلبات الجمهور التي تناسب الفترة الراهنة كي لا ينفر من السينما، وهي ستظل وسيلة فاعلة لإيصال رسائلنا. وفي فيلم «الخلية» نؤكد هذا الأمر، ونحاول أن نرسي قواعد الجمال في الحياة أيضاً».
حرية الرأي
يقول الناقد السينمائي إيهاب التركي إن حرية الرأي والإبداع أهم قاعدة لسينما مؤثرة، أما غير ذلك فلن يفيد، وما دامت الرقابة تتحكم في أي عمل سينمائي أو درامي يناقش قضية ما فلن تتوافر ضمانات لإلقاء الضوء على الإرهاب من زوايا مختلفة ومؤثرة فعلاً، موضحاً أن دور السينما ليس التصدي للإرهاب، ولكن تنوير العقول والتأثير في الوجدان، لأن إنتاج أفلام سطحية لا يحمل أي تصد للإرهاب، إنما هو بمنزلة أعمال دعائية لا قيمة لها.ويضيف التركي أن الجمهور لا يحتاج إلى أفلام تبرز مساوئ الإرهاب، بل إلى أفلام تجيب عن السؤال «لماذا الإرهاب سيئ»، مؤكداً أن «السينما قدمت أعمالاً نمطية عن الإرهاب والإرهابيين، أبرزها «الإرهابي» و»دم الغزال»، وكلها حملت قصصاً عن عمليات إرهابية أو شخصيات تتحول إلى الإرهاب من دون مناقشة جذور الظاهرة أو التعمق في الأفكار التي تصنع الإرهابي، وهي أمور حساسة ولها جذور في ثقافة المجتمع وبعض مؤسسات الدولة، ولكنها للأسف قضايا تتسم بالخطوط الحمر التي لا يمكن الاقتراب منها».الناقد السينمائي طارق الشناوي يرى بدوره أننا يجب أن نفكر في الإنسان كلما اشتد الظلام، لا سيما أن مصر تعيش إحباطاً ويأساً وهي محاطة بشريط أسود حداداً على أرواح المصريين الذين إستشهدوا بسبب العمليات الإرهابية. ويتابع: «ولكن يبزغ الأمل في الغد دائماً، وعليه يجب مواجهة الإرهاب والتطرف من خلال أحد أهم الأسلحة وهي السينما. ولا بد من أن تكون المواجهة عن طريق التناول المباشر لفساد الخطاب الديني الذي ذهب بنا إلى كوارث كثيرة. فالفن رسالة سامية نتعلم منها تعاطي الجمال الإبداعي، والإرهابي لا يكره الفن فحسب بل يجرمه ويحرّمه، لذا فإن السينما المصرية هي أول سلاح لمواجهة هذا التطرف».