في العشرين من يناير يؤدي دونالد ترامب اليمين الدستورية بوصفه الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة، وبموجب القِسم الأول من المادة الثانية من دستور الولايات المتحدة، لا يصبح ترامب رئيساً فعلياً للبلاد ما لم يؤدِّ اليمين لتولي المنصب، ويتعهد علناً بإلزام نفسه إعلاء الدستور، وبذل قصارى جهده مادام في منصبه، وهذه بالطبع الحال بالنسبة إلى كل الرؤساء، ولكن نظراً إلى الكيفية التي تصرف بها ترامب خلال حملته الانتخابية، يُصبِح القَسَم مهماً بشكل خاص في حالته.

حتى الآن، لم يبذل ترامب أي جهد للتصرف بطريقة صادقة أو موحية بالثقة، فهو لم يكن مضطراً إلى هذا من الناحية الفنية؛ فالولايات المتحدة لا تُلزِم المرشحين لمنصب الرئاسة ببيان قَسَم، وليس لديها أي مدونة مُلزِمة للسلوك أو أي قيود على نوع الخطاب الذي قد يستخدم، ويجوز للمرشحين أن يديروا تصرفاتهم كما يحلو لهم.

Ad

يستند هذا النهج إلى افتراض مفاده أننا يمكننا أن نثق بحكم المرشحين، فالأشخاص الذين يسعون إلى شغل أعلى منصب في البلاد لابد أنهم يعرفون كيف يوازنون بين الضرورة السياسية للفوز بالأصوات والمسؤولية عن جدوى وعودهم السياسية وقابليتها للتنفيذ، والمنطق الذي تستند إليه.

وفي عموم الأمر، بررت التجربة هذا الرأي، فالولايات المتحدة تتمتع بثروة من الاختيارات إلى حد كبير بين الطامحين إلى الرئاسة الذين يتمسكون بمعايير مقبولة عموماً، ولكن مع ترامب، يبدو أن هذه الثروة تحولت إلى إفلاس.

فخلال الحملة الانتخابية التمهيدية والحملة العامة، كذب ترامب دون توقف كلما تحدث عن نفسه، أو معارضيه، أو سلوك الدول الأخرى ودوافعها، أو النظام الانتخابي الأميركي، أو حجم العجز التجاري، أو تصرفات بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، أو البيانات حول كل شيء من العمل إلى الجريمة (على سبيل المثال لا الحصر).

من الواضح، فضلاً عن ذلك، أن العديد من وعود ترامب الانتخابية، كبناء جدار بتمويل من المكسيك على الحدود الجنوبية لأميركا، وإعادة وظائف التصنيع المفقودة، وترحيل الملايين من المهاجرين غير الشرعيين، من المستحيل تنفيذها، وكان ميت رومني، مرشح الحزب الجمهوري الرئاسي عام 2012، مُحِقاً عندما أطلق على ترامب وصف "الزائف المحتال" والمرشح الذي يُطلِق وعوداً "جوفاء".

ولكن برغم أن هذه السمات مثيرة للمشاكل بوضوح، فإنها لم تلحق الضرر بحياة ترامب السياسية، فقد نجح في إقناع قسم كبير من الناخبين بتجاهل ــ إن لم يكن التغاضي عن ــ انقلاباته السياسية الصارخة وافتقاره إلى المعرفة، وحتى رومني ذاته أذعن لترامب في النهاية، فالتقى مع الرئيس المنتخب بعد بضعة أسابيع من انتخابه، سعياً إلى الحصول على منصب وزاري كما يُقال.

ولابد أن يكون هذا واحداً من أكثر الدروس واقعية من هذا العام المنصرم، فالأكاذيب الفاحشة والوعود الجوفاء كفيلة بتمكينك من الفوز بالانتخابات الأكثر أهمية على الإطلاق، أما التمسك بالقواعد الأساسية للياقة، بتجميل الحقائق لا تلفيقها، وبذل وعود معقولة وجديرة بالتصديق، فقد يضمن لك الخسارة. وقد تعلمت منافِسة ترامب في الحملة، وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، هذه الحقيقة بالطريق الصعب.

خلال الحملة، كثيراً ما لجأت هيلاري كلينتون إلى الاقتباس من السيدة الأولى ميشيل أوباما قولها: "عندما يتدنى مستواهم، نرتقي نحن بمستوانا"، ولكن عندما يتدنى خصمك إلى الحد الذي ذهب إليه ترامب، يصبح "الارتقاء بالمستوى" أشبه بأن يختار المرء، في معضلة السجناء الكلاسيكية، البقاء على ولائه لشريكه في الجريمة، الذي يعقد صفقة في الغرفة المجاورة للشهادة ضده شخصيا، فعندما يرتقي المرء بمستواه في مثل هذه الظروف، يحصل على ما يسميه أنصار نظرية الألعاب "مكافأة الحمقى".

لا ينبغي أبداً وضع المرشحين في مثل هذا الموقف، وبدلاً من ذلك، يتعين علينا أن نتأكد من أن جميع المرشحين ملتزمون بمدونة سلوكية أساسية، وهناك طريقة بسيطة للقيام بهذا تتلخص في مطالبة جميع المرشحين الرئاسيين، بدءاً بانتخابات عام 2020، بأداء قَسَم الالتزام بالصدق والمسؤولية والشفافية في خطابات حملاتهم وسلوكياتهم.

في المجتمع الأميركي والثقافة السياسية الأميركية، يحظى القَسَم بمكانة نادرة؛ ففي الشهادة في محكمة قضائية أو أمام لجنة من الكونغرس الأميركي، يُقسِم الشاهد على "قول الحقيقة، كل الحقيقة، ولا شيء غير الحقيقة"، ويؤدي الأطباء "قَسَم أبقراط"، فيتعهدون أولاً بعدم إلحاق الضرر بالمرضى، ويُقسِم طلاب العديد من الجامعات على التمسك بمدونة الشرف. ولن يكون ترامب وحده في الإدلاء بالقَسَم الشهر المقبل؛ ففي نفس الوقت تقريباً، يدلي أعضاء الكونغرس الأميركي الجدد وأعضاء حكومة ترامب بقسم مماثل.

نظراً لهذا القدر من التبجيل للقَسَم، فمن المعقول أن نفترض أن أداء قَسَم الصدق من قِبَل المرشحين لمناصب عامة قبل خوض الحملة الانتخابية من شأنه أن يخلف بعض الأثر على نهج المرشحين.

وهذا الاقتراح بعيد كل البعد عن الحزبية؛ فقد وقع العديد من الجمهوريين ضحية لحملة ترامب الجامحة قبل أن تدخل هيلاري كلينتون دائرة مرماه، وبوسع عامة الناس ووسائل الإعلام استخدام القَسَم كأداة لتقييم ــ ومساءلة ومحاسبة ــ الراغبين في تولي مناصب قيادية، ويسمح هذا للمرشحين باكتساب ميزة تنافسية ضد المعارضين الذين يرفضون أداء القَسَم.

ولن يكون التنفيذ صعباً، ففي حين يشترط دستور الولايات المتحدة أداء اليمين الرئاسية، ليس من الضروري أن يكون قَسَم المرشح شرطاً دستورياً، فالضغوط السياسية وضغوط السوق كافية، إذا رفضت وسائل الإعلام المطبوعة والمرئية والاجتماعية ببساطة نشر إعلانات الحملة للمرشحين الذين يرفضون أداء القَسَم.

لا ينبغي للمرشح الأكثر كذباً أن يحظى بميرة سياسية، ومن أجل الديمقراطية، يتعين علينا أن نتخذ الإجراءات الكفيلة بترسيخ قواعد اللياقة والشفافية الأساسية في الحملات الانتخابية المهمة، وبوسعنا أن نبدأ بخطوة متواضعة تتمثل في مطالبة جميع المرشحين للرئاسة في المستقبل بالإدلاء بقَسَم الصِدق.

* ياشنغ هوانغ

* أستاذ الاقتصاد العالمي والإدارة في مدرسة سلون للإدارة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»