الأخبار عن حلب... مجرّد «بروباغندا»؟

نشر في 20-12-2016
آخر تحديث 20-12-2016 | 00:03
مراسل يغطي المعارك في سورية
مراسل يغطي المعارك في سورية
في مرحلة بين عامَي 2011 و2012، كان ناشطون مقاومون مستقلون بحقٍ يعملون داخل سورية. ولكن مع سيطرة المجاهدين، أُرغم أولئك الشجعان على الهرب إلى الخارج، أو أُسكتوا، أو قُتلوا. «الإندبندنت» سلطت الضوء على الموضوع.
شهدت حلب سابقة في مجال التغطيات الصحافية، مفادها أن من مصلحة المشاركين في أي صراع في المستقبل أن يردعوا الصحافيين الأجانب الذين ينقلون الأخبار بموضوعية. بخطفهم وقتلهم، سهُل توليد الفراغ المرجو في المعلومات، سيقوم في المستقبل على جهود مخبرين متعاطفين مع مَن (في هذه الحالة القادة المجاهدون في شرق حلب) يبقون الصحافيين الأجانب بعيداً أو واقعين تحت رحمتهم.

تبيّن أن خطف الصحافيين الأجانب أو قتلهم خطوة ذكية أقدم عليها المجاهدون لأنها أتاحت لهم السيطرة بفاعلية على الأخبار التي تُنقل إلى العالم الخارجي. إنه خبر سيئ بالتأكيد لكل صحافي مستقل يدخل مناطقهم أو يهدّد سيطرتهم على المعلومات.

ثمة تناقض جلي في جوهر الوضع الذي تواجهه وسائل الإعلام الدولية: بدا دخول الصحافيين الأجانب إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في سورية أمراً بالغ الخطورة، ولكن في حالات عدة، سمح بعض أكثر الحركات عنفاً ووحشية على الأرض لناشطين مستقلين بالعمل بحرية على ما يبدو.

في المقابل، واجه المراسلون الغربيون خطراً حقيقياً: قُطع رأس جيمس فولي في طقوس تقليدية في الثامن من أغسطس عام 2014. وبعد بضعة أيام، لقي ستيفن سوتلوف المصير عينه، مع أن الصحافيين الأجانب الذين كانوا يغامرون بدخول المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين واجهوا خطراً كبيراً قبل ذلك بزمن طويل.

«التعذيب كان عقابي»

لكنّ السكان المحليين الذين كانوا يعيشون في ظل حكم المتمردين ويتجرؤون على انتقاد أعمالهم وأفكارهم واجهوا أيضاً الخطر عينه. اتضح ذلك في تقرير منظمة العفو الدولية الذي نُشر في شهر يوليو الماضي بعنوان «التعذيب كان عقابي». يذكر فيليب لوثر، مدير برنامج منظمة العفو الدولية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن المدنيين في هذه المناطق «كانوا يعيشون في خوف دائم من الخطف إن انتقدوا سلوك المجموعات المسلحة المسيطرة أو أخفقوا في الالتزام بالقواعد الصارمة التي فرضتها».

يؤكد التقرير أن أي ناشط أو صحافي مستقل بحق كان يُستهدف. عن جبهة النصرة (التي أعادت تسمية نفسها جبهة فتح الشام وشكّلت سابقاً أحد فروع تنظيم القاعدة)، قال ناشط إعلامي في الرابعة والعشرين من عمره يُدعى «عيسى»: «يسيطرون على ما يمكننا أو لا يمكننا قوله. إما تؤيد سياساتهم وقواعدهم الاجتماعية أو تختفي».

أما ما يلي عملية خطف مماثلة، فيتحدث عنه بوضوح ناشط سياسي يُدعى «ابراهيم» نظّم عام 2015 مسيرة احتجاج سلمية دعماً للربيع العربي الذي بدأ عام 2011. إلا أن جبهة النصرة اعتبرت هذا العمل المستقل غير مقبول على ما يبدو وخطفته. يخبر: «اقتادوني إلى غرفة التعذيب، حيث قيدوني في وضعية الشبح. علّقوني في السقف من معصميّ، مانعين أصابع قدميّ من ملامسة الأرض، ثم بدأوا بضربي بالأسلاك على كامل أنحاء جسمي. بعد وضعية الشبح، انتقلوا إلى تقنية الدولاب. طووا جسمي وأرغموني على الدخول في دولاب ليعمدوا بعد ذلك إلى ضربي بقضبان خشبية».

يقول باسل، وهو محام من إدلب: «فرحتُ لأننا تحررنا من سيطرة الحكومة السورية الظالمة. لكن الوضع اليوم أكثر سوءاً». انتقد جبهة النصرة على «فيسبوك»، فاعتُقل في الحال. وتؤكد منظمة العفو الدولية أن المجموعات المعارضة المسلحة الرئيسة تتعامل بالعنف ذاته مع كل مَن يتجرأ على مخالفتها.

شهدنا في عامَي 2011 و2012 مرحلة عمل خلالها ناشطون مستقلون بحق داخل سورية. ولكن مع تنامي سيطرة المجاهدين، أُرغم أولئك الشجعان على الهرب إلى الخارج، أو أُسكتوا، أو قتلوا. في شهر أغسطس عام 2013، شاركتُ في برنامج تلفزيوني مع رزان زيتونة، المحامية المشهورة المدافعة عن حقوق الإنسان ومؤسِّسة «مركز توثيق الانتهاكات» الذي يسجّل الجرائم والفظائع. كانت تتحدث عبر برنامج «سكايب» من معقل المعارضة في دوما شمال شرق دمشق، حيث كنت أعمل قبل السنة، إلا أن الوضع هناك ازداد خطورة بالنسبة إليّ.

راحت زيتونة تصف الاعتداء بغاز السارين، الذي أودى بحياة عدد كبير من الناس في المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار في دمشق، وتندد بالحكومة السورية التي نفذته. صحيح أنها كانت تؤيد المعارضة السورية غير المجاهدة، إلا أنها انتقدت أيضاً حركة جيش الإسلام التي تدعمها المملكة العربية السعودية، والتي كانت تسيطر على دوما. نتيجة لذلك، اقتحم مسلحون في الثامن من ديسمبر مكتبها واعتقلوها مع زوجها وائل حمادة وناشطَين آخرين في مجال الدفاع عن الحقوق المدنية: المحامية سميرة الخليلي والشاعر ناظم الحمادي. لم يُرَ أي من هؤلاء الأربعة منذ ذلك الحين، ويُرجَّح أنهم قُتلوا.

مواد مزيفة

من الطبيعي أن تنشر وسائل الإعلام الدولية أشرطة مصوّرة ومقابلات عبر «سكايب» من شرق حلب، مدعية أنها التُقطت بحرية مطلقة كما لو أنها في كوبنهاغن أو إدنبرة. فلو تصرفَت خلاف ذلك، لقوّضت مصداقية الصور والمواد المؤثرة التي بدا فيها المتحدثون خائفين، وذلك لسبب وجيه. فقد علا صوت الرصاص وانفجار القذائف.

قد لا تكون هذه المواد مزيفة بالضرورية، إلا أن أجزاء كبيرة حُذفت منها. ما من أثر للثمانية آلاف إلى العشرة آلاف مقاتل الذين تقدّر الأمم المتحدة أنهم ينتشرون في شرق حلب. لا أتذكر أنني رأيت شخصاً يحمل بندقية أو يتمركز في موقع محصّن في هذه المواد المؤثرة. بل لم نشاهد في أفلام حلب سوى مدنيين غير مسلحين في تناقض واضح مع الموصل حيث تحارب القوات العراقية المسلحة آلاف مقاتلي داعش الذين يستعملون المدنيين كدروع بشرية.

تمويل من حكومات أجنبية

من السذاجة الاعتقاد أن هذه العلاقات العامة المحترفة والجذابة، التي تقدمها المعارضة المسلحة السورية، من صنيعها وحدها. تؤدي الحكومات الأجنبية دوراً واضحاً إلى حد ما في تمويل الخبراء الإعلاميين المعارضين وتدريبهم. أخبرني صحافي يعمل في وسيلة إعلامية سورية في بيروت كيف تلقى عرضاً بنحو 17 ألف دولار شهرياً للعمل في مشروع علاقات عامة إعلامية مماثل تدعمه الحكومة البريطانية.

لا شك في أن لهيمنة الدعاية على التغطية الإخبارية في الحرب في سورية نتائج سلبية كثيرة. يشهد البلد حرباً أهلية، ويقدّم تركيز وسائل الإعلام الحصري على الفظائع التي ترتكبها القوات المسلحة السورية بحق المدنيين العزل صورة غير موضوعية عما يحدث.

هذه الفظائع صحيحة غالباً، وتشير الأمم المتحدة إلى أن 82 مدنياً أُعدموا في الحال في شرق حلب الشهر الماضي. صحيح أن هذا الوضع بالغ السوء، إلا أننا نبالغ كثيراً إذا قارنا ما يحدث في حلب بالإبادة الجماعية في رواندا عام 1994 أو مجزرة سربرنيتشا في السنة التالية.

لا عجب في أن تسعى المعارضة السورية إلى التنديد بأعدائها وإخفاء الأخبار السيئة عن نفسها. وما من خطب في ذلك. فقد قامت المعارضة العراقية بالمثل عام 2002، شأنها في ذلك شأن المعارضة الليبية عام 2011. لكن المعيب حقاً الطريقة التي تسمح بها وسائل الإعلام الغربية لنفسها بأن تتحول إلى وسيلة للدعاية يستغلها طرف واحد في هذا الصراع الوحشي، ذلك عبر تصنيفها تلك المواد معلومات مؤيدة حقيقية من أناس يعيشون في مناطق تابعة للحركات المجاهدة التي تعذب المنتقدين أو المنشقين أو تقتلهم.

نتيجة لذلك، صار المجاهدون والمتعاطفون معهم، الذين يحولون دون دخول المراقبين المستقلين إلى مناطق سيطرتهم، يقدّمون للمؤسسات الإخبارية ما تحتاج إليه من معلومات. وبتكرارها المعلومات من مصادر مماثلة غير موثوق منها، أعطت وسائل الإعلام هذه مجموعات شبيهة بتنظيم القاعدة حافزاً كبيراً لمواصلة قتل الصحافيين وخطفهم بغية توليد فراغ إخباري يمكنهم ملؤه والاستفادة منه.

* باتريك كوكبورن

الحكومات الأجنبية تموّل الخبراء الإعلاميين المعارضين

وسائل الإعلام الغربية تسمح لنفسها بالتحول إلى وسيلة للدعاية
back to top