«مواطن» حوّلت قبح الفكرة إلى جمال الصورة
مسرحية لفرقة «الشباب» ضمن عروض المهرجان المحلي
قدمت مسرحية «مواطن» دلالات الأشياء من خلال مشاهد فائقة الانسجام في مكوناتها ضمن عروض المهرجان المحلي.
خلق المخرج الواعد عبدالعزيز النصار من قبح فكرة مسرحية "مواطن" للمؤلف العراقي المبدع قاسم مطرود القائمة على القتامة وسوداوية الحالة التي نعيشها من تكفير وقتل وترهيب وإرهاب، جمال الصورة التي أبهرت المتلقين الذين حضروا عرض فرقة "مسرح الشباب" ضمن ليالي مهرجان الكويت المسرحي المحلي الـ17، من خلال التكوينات المبهرة لدلالات الحالة السوداوية التي انطلقت من تحويل كل شيء نافع إلى أدوات للقتل، كالقلم والخبز والفكر، إلى صور تارة تقطر دماً ومرات تنزف أسى في شكل مشاهد درامية مكثفة بالرموز والمفردات.وأخذ النصار أجمل ما رسمته مدارس المسرح الصامت والسريالي والتسجيلي من صور دون إغفال سلطة النص وهيمنة الحوار وقدم المشاهد المركبة التي خلقت الألفة والترابط بين العرض المسرحي والمتلقي من خلال استنهاض الذاكرة المرئية وخطاب اللاوعي.اعتمد عبدالعزيز النصار الذي قدم نفسه من خلال هذا العرض صانعا مبدعا، على المفردة المستلهمة من النص وقوتها، وما لها من خيالات مفعمة بالسحر في توصيل مفهوم رسالته من اختياره لهذا النص الذي أعاد صياغته في تسع ورقات تعتمد على ثنائية الذهن وهما التفكير والرؤية البصرية، وهو بهذا النهج الذي وصف من قبل النقاد بأنه منهاج مسرح الصورة؛ أكد انه سوف يكون له شأن كبير في عالم المسرح الكويتي كمخرج يفكر ويرى ويعرف كيف يرى ويبحث عن أشكال للتجربة، مثلما يبحث المؤلفون عن المضامين في ابداعاتهم النصية.
شكل النصار من أبطال عرضه، سواء الممثلون عبدالله الحمود وعلي الششتري ومحمد فايق وحسين الحداد ومحموعة الأطفال أو صناع المؤثرات الصوتية والموسيقية هاني عبدالصمد وعبدالرحمن البلوشي وباسم والديكور محمد الرباح والأزياء فهد المذن والإضاءة عبدالله النصار، مجموعة من الرموز التي حملت وظائف متعددة ومتنوعة على خشبة المسرح حسب السياق الدرامي للعمل. الممثلون الحمود والششتري وفايق والحداد نجحوا في توصيل الحالة التي يكون عليها صاحب الفكر المشوه من خلال الإيماءة والهمهمة، والصرخة، من دون ابتعاد عن التكوين الضوئي او كسر بقعته اثناء الحركة او بناء التكوين، سواء على اشكال ثلاثية او فردية، فجسدوا السلوك والأفعال التي تقوم بها الشخصية المرصودة بوعي شديد.أما صانع الإضاءة عبدالله النصار فقد تعامل من خلال ادواته الاضائية مع المسرح والممثل والجملة الحوارية بمهارة تحسب له، فكان عاملا مساعدا في صناعة هذه الدراما السيميائية وتوصيل شحنة التأثير الشعاعي عبر الصورة، وكأنه يرسم عبر الفضاء الواسع لأبعاد المسرح بالضوء ومضات لونية وتشكيلية.وجاءت المؤثرات الموسيقية سواء التصويرية للوحات او التأثيرية للتعبير عن الحالات كأنها انسجة مصممة وفق رؤية لمضمون فكرة المخرج عبدالعزيز النصار، والعلاقات الشكلية متغيرة سواء للحوار او المشاهد. وجسد مصمم الأزياء فهد المذن الصورة على اجساد الممثلين بشكل محترف، فكانت شريكا متميزا فى التأثير البصرى للعرض، من خلال اللون الاسود الذي كان سيد الموقف في ملابس اصحاب الافكار التكفيرية والذي أبرز على منطقة الصدر خطوطا عرضية تشبه الضلوع البارزة، وهي رمزية ساحرة للتعبير عن سجن الفكرة في الوجدان وسجن الروح في تلوثات الزمان.وكان الديكور لمحمد الرباح فاعلا مؤثرا في تعزيز مشهدية النص وخاصة في المزج الثلاثي للنخيل وانفصالها قبل النهاية لتشكيل مشهد تال يرصد الذات الإنسانية بكل ما بها من قلق وتوتر التي دائما ما تظهر في رحلة البحث عن اجابات كبيرة لاسئلة عويصة.
النصار أخد أجمل ما رسمته مدارس المسارح من صور دون إغفال سلطة النص