تطرح بين الحين والآخر قضية اتحاد دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فما هو الاتحاد؟ ولماذا؟

نظراً للمقومات المشتركة بين دول مجلس التعاون فإن إمكانية اتحادها أسهل من غيرها، فالتاريخ المشترك والتكوين السكاني والموارد والجغرافيا قواعد أساسية لمشروع الاتحاد، أما لماذا الاتحاد؟ فهذا يعود إلى أن التفكير الاستراتيجي يفرض على دول الخليج العربية أن ترتقي برؤيتها المستقبلية إلى مسألة الوجود، واليوم هناك خلل في القوى الإقليمية في الخليج، ويعتبر ذلك تحدياً، والتحدي يصنع المعجزات في التاريخ.

Ad

التكوين الإقليمي لمنطقة الخليج العربي هو من إيران ذات المقومات القوية، والعراق ذي المقومات القوية برغم مشاكله، ودول مجلس التعاون ضعيفة المقومات، والمقومات هنا ضعفها لكل واحدة منفردة وعدم تنوع الموارد، إلى جانب قلة سكانها المواطنين وصغر حجم جيوشها، وصغر مساحة أغلبها جغرافياً، وذلك يستوجب اتحادها بكيان يوازي الكيانات الأخرى في المنطقة. إن تحدي الثورة الإيرانية في نهاية السبعينيات وقيام الحرب العراقية- الإيرانية قد عجل بقيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وكذلك التحديات اليوم قائمة تستوجب بناء قوة بشرية وعسكرية واقتصادية وسياسية واحدة لمواجهتها في الحاضر والمستقبل.

ويختلف الكثيرون حول هذا المشروع لأن التفكير الأساسي فيه يقوم على أساس سياسي، ومادام الأمر كذلك فلماذا لا يُطرَح موضوع الإصلاح السياسي كطريق للاتحاد، المسألة ليست عاطفية حول رغبة مواطني دول المنطقة في قيام اتحاد بينها على غرار الاتحادات الناجحة، كاتحاد دول الإمارات العربية المتحدة وغيرها، فما هو الإصلاح السياسي المطلوب؟

الإصلاح السياسي يعني التطور باتجاه المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار في كل دولة خليجية قبل الشروع في الاتحاد، وهذا يتطلب تطبيقاً ديمقراطياً عصرياً، ووضع دساتير متطورة ودائمة تمهد للاتحاد ولا تعوق موادها مسيرته.

إن الوفرة المادية وتوزيعها عن طريق الدولة الريعية لا يكفيان النهضة، وما أكثر التحديات التي تستوجب بناء ذلك المشروع استراتيجياً، كما أن قضية الإصلاح السياسي في دولة خليجية يحتاج إلى الوقت والخطوات العملية لتحقيق ذلك، وعندئذٍ لا يكون هناك مبرر للتردد والخوف من الاتحاد لأن دول المنطقة تواجه تحدياً وجودياً يقوم على أساس "تكون أو لا تكون"، وهذا يستوجب التنازل عن بعض الامتيازات في سبيل إيجاد الأرضية المشتركة لتحقيق مشروع الاتحاد، ولعل الخطوة الأولى في هذا الاتجاه أن تقوم دولنا على أساس دستوري مدني، ووجود مجالس نيابية منتخبة ثم الشروع في السوق المشتركة وتوحيد المناهج الدراسية وغيرها. إن تحقيق الدول وحدتها ونجاحها في تلك الاتحادات كان عن طريق القوة أو بالتوافق، ومادمنا لا نحبذ استخدام القوة فعلينا مسؤولية بناء التوافق، وأسس هذا التوافق متوفرة في واقعنا، والمطلوب تنحية المجاملة والمبالغة والعاطفة جانباً ونحن نفكر في مشروع مصيري كمشروع الاتحاد. ولكن أولاً وقبل كل شيء الإصلاح السياسي ضرورة وأساس كطريق للاتحاد الخليجي، وبدونه لا يمكن التفكير جدياً فيه أو تحقيقه على أرض الواقع، ونحتاج في هذا الوقت إلى دراسة مشاريع الاتحادات وتطبيقاتها الناجحة والفاشلة عربياً وعالمياً قبل الشروع في مشروع الاتحاد، فهذه قضية مصيرية في حياتنا ومستقبل أجيالنا.

ويثير البعض مخاوف من التدخل الخارجي الدولي لعرقلة مشروع الاتحاد من منطلق أن قوى دولية تتجه إلى تفكيك الدول الكبيرة في الشرق الأوسط، وفي مقدمتها الدول العربية، فكيف تسمح بمشروع اتحاد لدول الخليج العربية؟!

السؤال هو: إلى أي مدى نحن مستقلون في رأينا وقرارنا أمام الضغوط المحتملة؟ ومتى تكون الفرصة ملائمة لتحقيق ذلك؟ وعلينا أن نبادر إلى بناء ثقافة اتحادية، ومشاريع مشتركة تكون الأساس لذلك المشروع، وفي التاريخ الحديث والمعاصر أحداث ووقائع فرضتها إرادة الشعوب، وتجاوزت المعوقات، بيد أن التحدي هو إلى أي مدى نستطيع الاستفادة من الفرص التاريخية؟ وإلى أي مدى نملك سيادتنا وإرادتنا؟

إن بناء مشروع التوحيد في مواجهة مشروع التفكيك هو تحدٍّ أمامنا، وعلينا أن نحسب حساب مثل تلك التحديات، ومشروع كهذا سيكون صعباً، ولكنه ليس مستحيلاً، وإن دراسة تجربة الاحتلال الصدامي للكويت تبرهن على أن الدول الصغيرة في منطقتنا مهددة ما لم تبادر إلى بناء مشروع اتحادي يقوم على أساس الإصلاح السياسي.

من الصعب الحديث عن المستقبل والتنبؤ بما سيحدث، ولكن في الإمكان وضع استراتيجية مشتركة بمدى زمني وأهداف محدودة، وبناء وقائع تقود إلى تحقيق ذلك المشروع الاستراتيجي.

كان الانسحاب البريطاني من منطقة الخليج العربي في بداية السبعينيات من القرن العشرين قد ترك فراغاً خطيراً، فطرح مشروع اتحاد دولة الإمارات، وتحقق ليعبئ الفراغ في المنطقة، وكانت الظروف ملائمة والتوافق ممكناً، واليوم نعيش حالة من ضعف المقومات في دولنا الصغيرة تستوجب الاتحاد، فلنبدأ الألف ميل بخطوة.