يُعَد تغير المناخ التحدي الأعظم الذي يواجه البشرية على الإطلاق، ومع هذا، لا يعتقد الرئيس المقبل للولايات المتحدة، ثاني أكبر دولة في العالم إطلاقاً للانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري الكوكبي والقوة الفاعلة الأساسية في السياسة المناخية، أن تغير المناخ يحدث بالفعل، أو أن البشر على الأقل كان لهم دور في هذا التغير.

وإذا كان دونالد ترامب راغباً حقاً في "جعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، كما أعلن في شعار حملته الانتخابية، فيتعين عليه أن يغير موقفه، وأن يتبنى أجندة العمل المناخي.

Ad

حتى الآن، لا يبدو الوضع مبشراً، فبرغم جبال من البيانات العلمية، يزعم ترامب أنه لا يوجد دليل على إسهام البشر في الاحتباس الحراري الكوكبي، حتى أنه وصف قضية تغير المناخ ذات مرة بأنها "خدعة" اخترعها الصينيون لجعل التصنيع في الولايات المتحدة أقل قدرة على المنافسة (وإن كان تراجع عن هذا الاتهام في وقت لاحق)، لكنه لم يفكر رغم ذلك في إعادة النظر في تشككه الشديد في مساهمة البشر في تغير المناخ.

وبما يعكس هذا الخط في التفكير، أعلن ترامب عزمه على إلغاء القيود المفروضة على الانبعاثات الكربونية التي تطلقها محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم، وزيادة إنتاج الوقود الأحفوري، وخفض دعم طاقة الرياح والطاقة الشمسية، كما تعهد بسحب الولايات المتحدة من اتفاق تغير المناخ العالمي الذي أبرم في ديسمبر الماضي في باريس، وهذا الانقلاب كارثي بكل المقاييس للجهود العالمية الرامية إلى التصدي لتغير المناخ. فتماماً، كما تسبب رفض الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش التوقيع على بروتوكول كيوتو بشأن تغير المناخ عام 2005 في إحداث دوامة من ارتفاع الانبعاثات، فإن القرار الذي قد يتخذه ترامب بعدم الوفاء بالتزامات أميركا بموجب اتفاق باريس قد يدفع آخرين إلى السير على خطاه، ففي نهاية المطاف، تشعر دول عديدة بالقلق إزاء تكاليف الوفاء بالتزاماتها الوطنية، ولاسيما في وقت يتسم بتباطؤ التعافي الاقتصادي. ويظل إحراق الوقود الأحفوري، في أغلب الاقتصادات، أرخص من استخدام أي طاقة أنظف (إذا لم نضع في الحسبان التكاليف المترتبة على الأضرار البيئية ذات الصِلة).

بطبيعة الحال، في الأمد الأبعد، يدفع إحراق المزيد من الوقود الأحفوري تكاليف الرعاية الصحية إلى الارتفاع ويعوق إنتاجية العمل، ثم إن هناك التكاليف الاقتصادية والبشرية المترتبة على الكوارث المتكررة والمتزايدة الحِدة المرتبطة بالمناخ في مختلف أنحاء العالم.

من المؤكد أن ترامب التقى مؤخرا نائب الرئيس الأميركي السابق والناشط البارز في مجال المناخ آل جور، ومع ذلك، يبدو من غير المرجح أن يغير ترامب لهجته بشأن تغير المناخ، خصوصاً أن أعضاء مجلس الوزراء الذين اختارهم يعزفون نفس اللحن.

الخبر السار هنا هو أنه قد لا يكون مضطرا إلى تغيير رأيه، فهناك في واقع الأمر إجراءات قد يتخذها ترامب لأغراض أخرى، من تعزيز الاقتصاد الأميركي إلى تعظيم نفوذ أميركا العالمي، من شأنها أن تؤدي أيضا إلى دفع عجلة الأجندة المناخية إلى الأمام.

يتمثل أول إجراء من هذا القبيل في زيادة الاستثمار في مشاريع البحث والتطوير في قطاعات صديقة للمناخ، مثل كفاءة استخدام الطاقة وتخزينها، وأنظمة الطاقة المتجددة، والسيارات الأكثر أمانا والأصغر حجما، وسوف تكون الاختراقات التكنولوجية في هذه المجالات ــ حيث الولايات المتحدة مؤهلة بشكل خاص لتحقيقها ــ مفيدة للأعمال التجارية إلى حد كبير، وربما يكون بناء قطاعات إنتاجية عالية التقنية وتتسم بالكفاءة في استهلاك الطاقة أفضل فرص ترامب للوفاء بوعوده الانتخابية في ما يتصل بخلق عدد كبير من الوظائف للأميركيين.

بقدرِ ما قد يرغب ترامب في إحياء صناعات الصلب والفحم في ما يسمى ولايات حزام الصدأ والتي كانت حاسمة في فوزه الانتخابي، فإن هذا مستحيل في الأرجح (وهذه نفس حال الوعد بإعادة عدد كبير من وظائف التصنيع من الخارج). والواقع أن طاقة الفحم في طريقها إلى الاختفاء في الولايات المتحدة بالفعل، حيث ترغم المخاوف الصحية والبيئية (لا المناخية فحسب) المحطات العاملة بالفحم على التوقف عن العمل.

من ناحية أخرى، يظل إنتاج الغاز الطبيعي عند أعلى مستوياته على الإطلاق؛ فالآن تتجاوز حصته التي بلغت 33 في المئة في توليد الطاقة، حصة الفحم، كما تتجه مصادر الطاقة المتجددة والطاقة النووية نحو الارتفاع، وهو الاتجاه الذي يكاد يكون استمراره في حكم المؤكد.

يتعين على ترامب لكي يتسنى له إحياء حزام الصدأ أن يستفيد من هذه الاتجاهات، من خلال دعم نهج أكثر إبداعا وكفاءة في استخدام الطاقة، أشبه كثيرا بذلك النهج الذي يساعد في دعم النمو في اقتصادات ولايات مثل كاليفورنيا ونيويورك.

وبوسع ترامب أن يعمل على تعزيز تقدم الصناعات الديناميكية المربحة الموفرة للطاقة من خلال ترسيخ كفاءة استخدام الطاقة في قوانين البناء، وينبغي للمباني الجديدة وغيرها من مشاريع البنية الأساسية أن تستخدم الإضاءة الموفرة للطاقة (بما في ذلك الاستخدام الأفضل لضوء الشمس)، وكذا التدفئة وتكييف الهواء، وهناك أيضاً فوائد كبيرة ناجمة عن إعادة تجهيز المباني القائمة لاستخدام الطاقة بشكل أكثر كفاءة.

وهناك سبب آخر رئيسي من شأنه أن يقنع ترامب، المتشكك في تغير المناخ، بتعزيز التقدم على مسار العمل المناخي، عبر الحفاظ على النفوذ الدولي الأميركي وتعزيزه. والواقع أن قادة عالميين بارزين آخرين ــ بما في ذلك الرئيس الصيني شي جين بينغ، ورئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ــ أعربوا عن قلقهم إزاء الدمار الناجم عن التلوث والتدهور البيئي، وإذا أنكرت الولايات المتحدة دورها القيادي في هذا المجال، فإنها بهذا تجازف بإلحاق ضرر كبير بسمعتها.

تتطلب قيادة العمل المناخي العالمي وفاء الولايات المتحدة في المقام الأول بالالتزامات التي تعهدت بها في باريس، ومن الأهمية بمكان أن يتمسك ترامب بخطة الطاقة النظيفة الأميركية، التي تُنشئ أهدافاً تختلف من ولاية إلى أخرى لخفض الانبعاثات الكربونية، وذلك بهدف خفض الانبعاثات الوطنية الناجمة عن توليد الطاقة الكهربائية بحلول عام 2030 بنحو الثلث نسبة إلى مستواها في عام 2005، وسوف يكون تمديد الإعفاءات الضريبة لمنتجي ومستهلكي الطاقة المتجددة مفيداً إلى حد كبير في تعزيز هذا الهدف.

ولكن حتى تحقيق أهداف اتفاق باريس لن يكون كافياً لتجنب ارتفاع كارثي في درجات الحرارة العالمية، بل يتعين علينا أن ندفع أهدافنا إلى مستويات أعلى من خلال تعزيز الطاقة النظيفة، ووسائل النقل النظيفة، والصناعة النظيفة، وسوف تكون الدراية والبراعة الأميركية لا غنى عنها لتحقيق هذه الغاية.

الواقع أن ترامب يريد بالفعل الاستثمار في الطاقة والبنية الأساسية، وإذا فعل هذا على نحو رحيم بالبيئة، فسوف تجني الولايات المتحدة فوائد هائلة، وسوف تعود هذه الفوائد على بقية العالم أيضا، وإذا لم يدرك هذا القطب الفاحش الثراء، الذي تحول إلى رئيس، التهديد المتمثل في تغير المناخ، فينبغي له على الأقل أن يكون قادراً على إدراك الفرصة التجارية الهائلة عندما تسنح له.

* فينود توماس

* أستاذ زائر في جامعة سنغافورة الوطنية، والمدير العام السابق للتقييم المستقل في البنك الدولي.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة».