لمَ يواصل بوتين الفوز بالحرب العقائدية؟
لا أملك أدنى فكرة عما إذا كانت روسيا تدخلت بنجاح في الانتخابات الأميركية، لكنني أعتقد أن هذا أحد المواقف التي يكذب فيها الكل، في حين تكذب روسيا أكثر منهم جميعهم، ولكن ثمة أسئلة عدة لا أحد يطرحها، على ما يبدو، وهو ما يثير فضولي.أولاً، كيف يمكن أن تصل الولايات المتحدة إلى حالة تتمكن معها قوة خارجية غير صديقة من التأثير في مجرى الانتخابات؟ هل كان هذا ممكناً في خمسينيات أو ثمانينيات القرن العشرين مثلاً؟ يبدو هذا مستبعداً جداً.كان الآباء المؤسسون الأميركيون متشددين كثيراً في مسألة التأثير الخارجي في السياسات الأميركية، لأنهم اعتقدوا أن هذا التأثير سيؤدي إلى الفساد، وكانوا محقين بالتأكيد؛ فقد اعتبر الناخبون الأميركيون أن هيلاري كلينتون غير أهل للثقة بسبب علاقاتها بدول الخليج العربي الغنية بالنفط مثل قطر والمملكة العربية السعودية، وتُصنَّف هذه الدول في أفضل الأحوال على أنها من الأصدقاء الأعداء، ومع أن هذا الجزء من العالم العربي يتقدّم ببطء في الاتجاه الصحيح (بينما تحترق بلاد الشام)، تبقى مصالحها مختلفة عن مصالح الشعب الأميركي.
ولكن ماذا عن روسيا التي لا تُعتبر دولة صديقة بالتأكيد؟ أنظر بعين الريبة إلى بعض الادعاءات التي أُطلقت عن مدى تأثيرها، والتي تعكس قدرة "تفوق الطبيعة" على توجيه الناخبين الغربيين، يبدو أننا ندخل عالم نظريات المؤامرة هنا، ولكن أحداً لم يعد يعرف الحقيقة؟من الممكن أن يكون القراصنة الروس ساعدوا الحزب الجمهوري في الفوز بانتخابات الشهر الأخير، إلا أن التأثير الروسي كان سيبقى محدوداً من دون الدعم أو التعاطف الضمني من أحد الأحزاب الأميركية. لا شك أن هذا بحد ذاته يشكّل إشارة تحذير، بما أن القوى الخارجية لا تنجح في التدخل إلا في الأنظمة السياسية المنقسمة بعمق، ولنتأمل في مثال السوريين البائسين. اعتُبر التدخل الخارجي المعادي مستحيلاً في مرحلة ما بعد الحرب، لأن المسائل التي وحّدت الأميركيين كانت أكثر قوة من سياسات الأحزاب، فهل يُعقل أن يكون الانقسام الحزبي المتنامي في الولايات المتحدة قد جعل التأثير الأجنبي أكثر سهولة واحتمالاً في المستقبل؟أما السؤال الثاني الذي لا أحد يطرحه على ما يبدو فهو: إن كان بوتين يتدخل سلباً في السياسات الغربية، فلمَ يفوز المرشحون الموالون له باستمرار؟ يبدو أن العداء الواضح تجاه روسيا سيئ سياسياً في الوقت الراهن، مع أن نظام بوتين يشن حرباً في دولة أوروبية، هذا إذا لم نذكر انتهاكات حقوق الإنسان الكثيرة في الداخل.لابد من الإشارة إلى مدى حيرتي من دعم اليسار المتشدد لروسيا، الذي يبدو مرتكزاً بالكامل على فكرة أن "عدو أمتي صديقي". يُعتبر هذا التعاطف الرجعي منطقياً على الأقل، بما أن روسيا لطالما شكّلت أمة رجعية مع اعتبار المرحلة بين عامَي 1917 و2000 استثنائية، ولكن عندما يكون الجزء الأكبر من الطبقة السياسية الغربية معادياً لبلد ويعتبره عدواً وجودياً إلى حد ما، فمن اللافت للنظر أن يحظى هذا الميل بدعم محدود من الشعب، وأعتقد أن هذا الواقع يعود في جزء منه إلى أن البعض يعتبرونه نوعاً من الحرب الباردة بين التعددية الثقافية والسيادة، وفي هذه الحالة، لا تكون البربرية السياسية الروسية أكثر سوءاً من الانحطاط الغربي.وإلى أن يفهم الغربيون سبب فوز بوتين باستمرار، سيواصلون البحث عن تفسيرات أكثر تعقيداً واستحالة، ويشكّل هذا في رأيي نوعاً من الانتصار النفسي الروسي.*إيد ويست