ادعموا التجارة والتجار
زاد في السنوات الأخيرة استخدام عبارات تمتهن التجار، مثل "كلونا التجار" و"نريد حكومة منتخبة ما فيها شيوخ أو تجار"، فضلاً عن النقد اللاذع لغرفة التجارة والصناعة، وغير ذلك من عبارات القدح بوجه حق أو من دونه.إن من المؤسف حقاً أن نرى ذلك تجاه مهنة مهمة اقتصادياً واجتماعياً. فالتجارة كغيرها من المهن فيها "التاجر الفاسد"، لكن السواد الأعظم من التجار يتمتع بالنزاهة، ولولا ذلك لدمر المجتمع. ولا يخفى علينا أن الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، عمل بالتجارة، ولا أحد ينكر ما قام به التجار من دور إنساني كبير في تاريخ الكويت خلال الأزمات، مثل سنة "الهيلق"، وأثناء الغزو الغاشم.
ولعل أبلغ دليل على الدور الاجتماعي الإيجابي الذي يقوم به التجار ما نراه الآن من مشاريع خيرية مثل المستشفيات والمراكز الصحية المنتشرة في المناطق المختلفة ودعم للتعليم والبحث العلمي.وللتجار دور وطني كبير بالمشاركة في وضع دستور الكويت. وكان لهم دور مهم في دعم الدولة اقتصاديا قبل ظهور النفط وسيطرة دخله على الاقتصاد، لما كانوا يوفرونه من رؤوس أموال أو وظائف، أو ما يدفعون من الضرائب التي كانت تمثل الدخل الرئيس للدولة.وبالرغم من وفرة الموارد النفطية والوضع المالي الممتاز للدولة، فإنها تواجه تحديين رئيسيين، هما توفير فرص العمل للمواطنين خارج القطاع الحكومي، وتنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط.ولا شك في أن التجارة أحد أهم الأنشطة الاقتصادية التي يمكن عن طريقها مواجهة هذين التحديين والتعويل عليها كرافد للقطاع الحكومي لخلق فرص العمل للكويتيين، ومصدر مهم من مصادر الدخل التي تقوم الدولة بتحصيلها عن طريق الرسوم الجمركية أو الضرائب مستقبلاً. ولا تحتاج التجارة إلى الاستثمارات الهائلة غير البنية التحتية الحديثة، مثل المطارات والموانئ والطرق. أما الموارد والدعم المطلوب من الدولة فأقل تكلفة، مقارنة بتلك المقدمة للأنشطة الأخرى.ولبلوغ الغاية المنشودة من التجارة، لابد للحكومة من اتخاذ عدد من الإجراءات المهمة لترويجها وتحفيزها، ودعم النشاط التجاري، نذكر بعضها، فبإضافة إلى التخلص من البيروقراطية والروتين وتسليك الإجراءات، يجب محاربة الفساد وكبح جماحه، خاصة في ما يتعرض له أصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة، فلا يكفي إنشاء هيئة لمكافحة الفساد، بل يتطلب الأمر تعزيز الشفافية والاعتماد على الإجراءات الذكية ومعاقبة الفاسدين. وعلى التجار أيضاً مسؤولية ودور أكبر في محاربة الفساد، "فلا فساد من دون راش ومرتش". ولابد من تطوير الموانئ والمنافذ والاهتمام بها، وتسهيل حركة التجارة والترانزيت، وإعادة التصدير التي كانت الكويت سباقة فيها بين دول المنطقة. ويجب إنشاء المكاتب التجارية الخارجية، وتفعيل دور الملحق التجاري في سفاراتنا في الخارج، واختيار الأكفاء لإدارتها من أجل الترويج للاقتصاد الكويتي والكويت.ويحتاج رواج التجارة أيضاً إلى تشجيع السياحة ودعمها، التي تتطلب عقلاً منفتحاً وثقافة متسامحة، مع الاهتمام بالفن والثقافة والموسيقى، ولا شك في أن مركز جابر الأحمد الثقافي، هذا الصرح الحضاري الجديد، إضافة جميلة، وسيكون عامل جذب، إضافة إلى دار الآثار الإسلامية والمركز العلمي والمتاحف والمعارض الفنية وأماكن الترفيه والتسوق، التي أنشأ معظمها التجار.ولابد من إدخال الطمأنينة في نفوس المقيمين في البلاد، وتسهيل زيارات أهاليهم للاستفادة من قوتهم الشرائية، كما أنه لابد من السماح لهم بالقيام بالأنشطة التجارية دون الحاجة إلى الكفيل الكويتي، مقابل دفع رسوم للدولة، ولتشجيع تحول الكويتي من "كفيل إلى شريك". إن للتجارة والتجار دوراً مهماً في تنويع مصادر الدخل وتوفير فرص العمل للمواطنين وتقليص مصاريف الدولة ومدخل لتعظيم دور القطاع الخاص، لهذا يجب على الحكومة ومجلس الأمة دعم التجارة والتجار من دون خجل، عن طريق سن القوانين وطرح المبادرات.فمن دون رواج التجارة وتحقيق الأرباح، لن تفيد الضرائب التي تخطط الدولة لفرضها في تنويع مصادر الدخل، وسنظل نعتمد على الحكومة في توظيف الكويتيين. ومقابل هذا الدعم، على التجار دفع ما عليهم من التزامات وإيجاد فرص عمل للمواطنين وزيادة ما يقومون به من مسؤولية اجتماعية وأعمال خير تجاه المجتمع.*اقتصادي كويتي