حلب وثقافة التوحش!
![طالب الرفاعي](/theme_aljarida/images/authorDefault.png)
أليس تسابق مواقع التواصل الاجتماعي على نشر صورة طفل مشوّه، أو امرأة تصرخ باغتصابها، أو عجوز يبكي شيخوخته، أليست هذا ثقافة جديدة؟ ثقافة تجعل من الحدث المأساوي مادة للتواصل الاجتماعي، ومادة لنيل المزيد من المتابعين والتعليقات، ومادة تقول إن ما يجري يجري، وإن الإنسان معني بما سيأتي بعده، دون أن يكلف نفسه مشقة النظر إلى بشاعة ولا إنسانية الحدث! تحتفظ الذاكرة البشرية بصور مآسٍ مرَّت بها، لكن من المؤكد أن مجازر مدينة حلب، وما يحدث من تشويه وطمس لهوية المدينة ببشرها وحجرها، لهو أمرٌ يصعب تصديقه! ويصعب أكثر من ذلك فهم ما يدور خلفه، وتصبح الصعوبة بالغة إذا حاولت، وأنا هنا أتكلم عن نفسي، فهم مرامي الدول المتورطة فيه!لا أظن أن الاجتماع على بشاعة وإدانة مشهدٍ ما يحتاج إلى كثير من الاجتهاد، خصوصا إذا ما كان المشهد مثلما يجري في حلب. فالذائقة البشرية السوية، يُفترض بها إدانة العنف والوحشية والقتل والتدمير والتجويع والتشريد. لكن ما تناقلته وكالات الأنباء وشبكات التواصل الاجتماعي، من ظهور الرئيس السوري بشار الأسد بكامل أناقته وهدوئه وابتسامته، ليقول إن حلب تصنع التاريخ، وإن مواقع التواصل الاجتماعي تتناقل التبريكات، وانه أراد أن يتجاوز التبريكات إلى القول إن ما حدث في حلب يؤرّخ للتاريخ الإنساني. هل يُعقل أن يبارك الناس لبعضهم كل هذا القتل والخراب الموحش؟!مُخيف ما جرى ويجري في حلب، وما يخيف أكثر، هو ردود أفعال العالم، العالم أجمع المتحضر والمتخلّف! وكم يبدو السؤال مزلزلاً حين يسأل الواحد فينا نفسه: ماذا لو حصل لنا ما حصل للحلبيين؟العالم أجمع ينقل على لسان المذيعات الجميلات والمتمكيجات، والمذيعين الأكثر وسامةً وتمكيجاً مجازر حلب، ويتجاوزها لأخبار دوري كرة القدم الإسباني والدوري الإنكليزي، ثم يعرض حركة أهم عشرة أفلام هوليوودية أمام شباك التذاكر، وأخيراً يقدم دعاية لشركة طيران تدلل ركابها. كل هذا صار يبدو عادياً، لكن ما يبدو نشازاً هو هذا الصمت الذي تغط به النخب الثقافية والفنية العربية والعالمية، المؤسسات والاتحادات وجمعيات النفع العام ومؤسسات المجتمع المدني!نعم، نعيش ثقافة جديدة، ثقافة لا تقيم وزناً حتى للموت! إنها ثقافة التوحش!