لم تنل ذكرى رحيل يحيى حقي إلا بعض المتابعات النقدية والصحافية، رغم أنه ترك بصمات واضحة في إبداع أدباء كثيرين، ويعد أحد الرواد الأوائل لفن القصة القصيرة في مصر، ويشكّل علامة بارزة في الأدب والسينما. كذلك له من فنون القول المتنوعة النقد والدراسة الأدبية والمقال الصحافي والسيرة الذاتية وترجمة القصص والروايات والمسرحيات الكثير.

Ad

مسيرة ومسار

في حي السيدة زينب الشعبي بالقاهرة، ولد حقي في السابع من يناير 1905 لأسرة تركية متوسطة الحال، كان أجدادها الأوائل هاجروا من الأناضول إلى شبه جزيرة المورة. نزح أحد أبنائها إلى مصر في أوائل القرن التاسع عشر، وعُيِّن في خدمة الحكومة، وظل يتنقل إلى أن استقر في مدينة المحمودية بالبحيرة، ثم صار وكيلاً لمديرية البحيرة، وهذا الرجل هو جد يحيى حقي وله ثلاثة أبناء هم محمد (والد يحيى حقي)، ومحمود طاهر حقي، وكامل حقي.

تزوّج والد يحيى من سيدة تركية الأصل، إذ التقت أسرتاهما في المحمودية، وأنجبا عدداً من الأبناء من بينهم يحيى، الذي حصل على تعليم جيد حتى انخرط في المحاماة، حيث درس في معهد الحقوق بالقاهرة، وتخرّج فيه عام 1925.

عمل يحيى حقي معاوناً للنيابة في الصعيد لمدة عامين من 1927 إلى 1928، وكانت تلك الفترة على قصرها أهم سنتين في حياته على الإطلاق. انعكس ذلك على أدبه، فكانت كتاباته تتسم بالواقعية الشديدة، وتعبّر عن قضايا مجتمع الريف في الصعيد ومشكلاته بصدق ووضوح، وظهر ذلك في عدد من أعماله القصصية أبرزها «البوسطجي»، و«قصة في سجن»، و«أبو فروة».

عندما قرأ إعلاناً لوزارة الخارجية عن مسابقة لأمناء المحفوظات في القنصليات والمفوضيات، تقدّم ونجح، وعيِّن أميناً لمحفوظات القنصلية المصرية في جدة ثم أسطنبول في 1930 حتى 1934، ثم في القنصلية المصرية في روما. توالت وظائفه الدبلوماسية حتى عام 1954 وعيِّن بعدها مستشاراً لدار الكتب، وفي 1959 استقال وفي 1962 عين رئيساً لتحرير مجلة «المجلة» حتى 1970، ثم أعلن اعتزاله الكتابة إلى أن تٌوفي.

القنديل

كانت إقامته في الأحياء الشعبية أحد الأسباب التي جعلته يقترب من الحياة الشعبية البسيطة، ويصورها ببراعة واتقان، ويتفّهم الروح المصرية، ويصفها وصفاً دقيقاً، وصادقاً في أعماله، وظهر ذلك بوضوح في قصة «قنديل أم هاشم»، و«أم العواجز».

في عام 1991، صدر له كتاب «خليها على الله»، ويبيّن غلافه الداخلي أنه السيرة الذاتية ليحيى حقي، عاشق اللغة العربية تحدثاً وكتابة وقراءة، وعالج أديبنا الكبير معظم فنون القول، من قصة قصيرة ورواية ونقــد ودراسة أدبية وسيرة ذاتية ومقال أدبي، كذلك ترجم عدداً من القصص والمسرحيات، وإن ظلت القصة القصيرة هواه الأول بعدما كتب آخر كتبه «ناس في الظل» عام 1974.

كان يحيى حقي صادقاً مع نفسه أولاً، فتواصل القراء والمبدعون معه، وكان ينشر كتاباته في صحف بسيطة مثل «العمال» و«المساء» و«التعاون»، خصوصاً تلك التي وقّعها تحت أسماء مستعارة من بينها عبد الرحمن بن حسن، والمؤرخ المصري الشهير «الجبرتي»، ولبيب، وشاكر فضل الله، وأبو شنب فضة.

جوائز

نال يحيى حقي جوائز عدة في حياته الأدبية، من بينها جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1969، كذلك منحته الحكومة الفرنسية وسام فارس من الطبقة الأولى عام 1983، ونال جوائز عدة في أوروبا، وفي البلدان العربية. منحته جامعة المنيا عام 1983 دكتوراه فخرية، ونال جائزة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته السادسة عشرة، وجائزة الملك فيصل العالمية فرع الأدب العربي.

عبارات مؤثرة

كانت للراحل عبارات مؤثرة، بثها عن طريق كتبه ورواياته، ففي كتابه «صح النوم» ذكر:

• «عجبتُ للإنسان يوصي غيره بالقناعة... ولا يقنعُ هو!».

• «إذا أردت أن تَسعد فعليك أن تُسعِد غيرك أولاً».

• «اختلاف السعادة التي توهب للبشر في النوع لا في المقدار».

• «الفن هو قبل كل شيء عنوان غنى النفس، واتصالها الوثيق بالكون والحياة».

• «هذه هي الحياة، خذها كما تأتي، إياك أن تظلم أو تؤذي أحداً، وإياك أن يرهقك الجود وإن اتهمك الناس بالسفه أو الغفلة أو الضعف».

وساق حقي في روايته «قنديل أم هشام»، عدداً من الحكم، كان من بينها: «كوني ما شئتِ، ليمسخ الإهمال صورتك، ليقس الضنا على محياك، بل فليشوهك الزمن الذي لا يرحم... فأنتِ أنتِ عندي... آخر علمي وذوقي ومنتهى تجربتي»، «ولا ولوج إلى ساحة السعادة - في اعتقادي - إلا من أحد أبواب ثلاثة: الإيمان والفن والحب، لا شيء يشع بها مثل هذا الخشوع الذي أراه في المعابد».