المخرج الروسي أندريه زفياغينتسيف: اتركوا الفنانين يعبرِّون عن آرائهم بحرية!
أكد فيلم Leviathan (السفينة الضخمة) الذي صدر في عام 2014 عبقرية مخرجه أندريه زفياغينتسيف المتّهم من وزير الثقافة الروسي بمعاداة روسيا. تلقى زفياغينتسيف إشادة عالمية بعمله هذا وأصبح عن غير قصد المتحدث باسم الحرية الفنية! في المقابلة التالية يؤكد استغرابه اعتبار البعض الفيلم «معادياً لروسيا» موضحاً أنه يروي قصة مصير مواطن بسيط يواجه ظلم دولة نافذة.
يقلّ عدد الفنانين الذين يحصدون إشادة عالمية ويتعرّضون للنقد في بلدهم مثلك. إنه وضع صعب.بل إنه وضع منطقي! في هذا البلد لا يشعر وزير الثقافة بأنه مضطر إلى الاحتفال بالنجاح الدولي الذي يحققه فيلم روسي لأن أهدافه مختلفة. لما كان البلد يمرّ بوضعٍ من الارتباك العقلي، فربما يريد توجيه أفكار الناس عبر شكلٍ معيّن من الحملات الدعائية... لكني أعتبر تعليقات بعض المشاهدين أكثر إثارة للدهشة كونهم اعتبروا الفيلم “معادياً لروسيا”. لا يلاحظ هؤلاء أن العمل موجّه لهم كونه يروي مصير مواطن بسيط يواجه ظلم دولة نافذة تعمد إلى فرض سيطرتها عبر سياسة محلية شائكة، وتتحالف مع المافيا. تدور هذه الأحداث كلها في روسيا التي تضمّ مدمنين على الكحول وأشخاصاً عنيفين.
هل منعتك الانتقادات من إخراج أفلام سياسية جديدة؟لكنّ Leviathan ليس سياسياً! لستُ المخرج كوستا غافراس، بل أكتفي بوصف الواقع. لا أحمل أي خلفية مبطّنة. أصبحت السياسة جزءاً من حياتي مثلما أصبحت جزءاً من حياة الروس الذين لم يطلبوا شيئاً من أحد. أعتبر Leviathan فيلماً عالمياً يعالج موضوعاً قديماً جداً. يواجه بطل القصة مصاعب مريعة فيخسر منزله وزوجته وعائلته وأصدقاءه ويُرمى في السجن. يمكن إسقاط أحداثه بسهولة على أي بلد آخر. أخبرني مشاهد أميركي أنها تُذكّره بوضع الولايات المتحدة بعد أزمة الرهن العقاري.ألا تمارس الدولة الروسية شكلاً خاصاً من العنف؟طبعاً، لكنّ الوضع مشابه في المكسيك وإفريقيا والشرق وآسيا. داخل روسيا، تُعتبر هيمنة الدولة على الأفراد واقعاً ملموساً لأن هذا الشعب وُلد من رحم العبودية. خلال فترة طويلة خضع الروس لسطوة التتر والمغول ثم أخضعوا فلاحيهم للعبودية. ومن المعروف أن المسارات التاريخية للشعوب ترسم عقليّتها.
حرية الإبداع
لماذا نشرتَ حديثاً نصاً يدافع عن حرية الإبداع في صحيفة “كومرسنت”؟ بدأ كل شيء في عام 2015، مع عرض مسرحية Tannhäuser على مسرح “نوفوسيبيرسك” الوطني. قررت الكنيسة الأرثوذكسية مهاجمة العمل أمام المحاكم على اعتبار أنه “يجرح مشاعر المؤمنين”، ودعم وزير الثقافة الروسي تلك الشكوى ثم حوكم مخرج المسرحية تيموفي كوليابين. لم تقع حوادث مماثلة منذ 50 سنة، حين اتُّهم الكاتبان أندريه سينيافسكي ويولي دانيال بمعاداة السوفياتية في عام 1966. منذ ذلك الحين، لم يَمْثُل أي فنان أمام المحاكم. صدر فيلمي Leviathan في الوقت نفسه وأثار هذه الضجة كلها وهكذا أصبحتُ جزءاً من الجدل السائد حول حرية الإبداع.قال سياسي معروف إنك ستركع في “الساحة الحمراء” لطلب الصفح من الشعب الروسي...نعم، ويكتب الناس على الإنترنت تعليقات على الشكل الآتي: “علامَ سنسامحه؟ يستحق رصاصة في رأسه”. في ما يخص قضية Tannhäuser، أعلن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بسكوف دعمه الكنيسة قائلاً: “من يدفع يـأمر!”. هذه هي المشكلة الحقيقية: يبدو أن السياسيين في بلدنا مقتنعون بأن أموال دافعي الضرائب مُلك لهم. يشعر هؤلاء المسؤولون بأنهم يستطيعون توجيه المسارح الوطنية. لكنّ العكس صحيح: يجب أن نسمح للفنانين بالتعبير عن رأيهم بكل حرية. بهذه الطريقة يلمع الإبداع الروسي!كيف تنظر إلى محتوى الأخبار المتلفزة؟لا أملك تلفازاً! لا أهتم بذلك! أعرف أن المعلومات التي تعرضها الشاشات منحازة بالكامل. أتأسّف لوضع الصحافيين الذين اختاروا هذه المهنة الجميلة لكنهم باتوا مضطرين إلى خيانة مبادئهم، وتقبّل أنواع التنازلات كافة.إلى أي حدّ تتدخّل الحملات الدعائية في مختلف جوانب الحياة؟تصل إلى عمق المدارس! هذه السنة، دخل ابني البالغ من العمر سبع سنوات إلى المدرسة الابتدائية. وبعد عشرة أيام على بدء الدروس، عاد إلى المنزل وشرح لي أن بوتين رئيسنا وأنه رجل صالح ويخدم مصلحة بلدنا!فيلمي المقبل «بلا حب»
هل يثق أندريه زفياغينتسيف بأن فيلمه المقبل لن يكون سياسياً؟ يؤكد هذا الأمر قائلاً: “طبعاً! سيكون عبارة عن دراما نفسية بعنوان Loveless (بلا حب). سيروي قصة عائلة تتفكك بعد انفصال الزوجين”.الأحداث، بحسب المخرج، تقع على أرض الواقع وتبدأ في خريف عام 2012 وتنتهي في فبراير 2015. ترتبط خلفيّة القصة بالحرب التي تبدأ ضد بلد صديق: أوكرانيا.ويختم: “في الفيلم، يرمز انهيار العلاقة الزوجية إلى الانتقال من السلام إلى الحرب”.