مع الرفض المطلق للاغتيال السياسي، وأي اغتيال، فيجب التوقف عند حادثة مقتل السفير الروسي في أنقرة، إذ إن الواضح، لا بل المؤكد، أن ما جرى في حلب، من مجازر وويلات ودمار وخراب وتمزيق لأجساد الأطفال الأبرياء بـ"شظايا" قنابل طائرات "السوخوي"، قد ولد أحقاداً ثأرية في صدور كثيرين، سوريين وغير سوريين، وعرباً وغير عرب، وبالطبع مسلمين وغير مسلمين، وأغلب الظن أن ما جرى في أنقرة أمس الأول يأتي في هذا السياق وفي هذا الإطار، وبغض النظر عما إذا كان لهذا "القاتل" انتماءات سياسية وارتباطات تنظيمية أم لا.

ربما أن هناك تحاشياً لتسمية الأشياء بأسمائها بالنسبة لكارثة حلب، لكن يجب أن يكون "معلوماً" ومعروفاً أن تجنب ذكر الحقائق المرعبة، وإغماض العيون عنها من قبل البعض، لا يعني أنه ليست هناك قناعة لدى أكثرية السوريين ولدى غالبية العرب، ولدى معظم المسلمين وأصحاب الضمائر الحية في العالم بأسره، بأن ما جرى في هذه المدينة المنكوبة قد استهدف العرب السنة تحديداً، وأن من استهدف هؤلاء هو هذا التحالف الذي لا يزال قائماً، والذي يضم إيران ونظام بشار الأسد بقيادة روسيا الاتحادية.

Ad

إن هذه هي الحقيقة فأهل حلب، ومعهم غالبية العرب ومعظم المسلمين وكل صاحب ضمير في هذه الكرة الأرضية، عندما يرون قاصفات "السوخوي" الروسية تزمجر في سماء هذه المدينة التاريخية، وتلقي بحممها على المنازل والملاجئ والمستشفيات، وتمزق بشظايا صواريخها أجساد الأطفال، وعندما يسمعون صيحات القتلة بدوافع مذهبية وطائفية فإنه أمر طبيعي أن يفهموا، ومعهم كل صاحب ضمير حي في العالم كله، أن المستهدف هو العرب السنة، وأن كذبة المجموعات الإرهابية، التي يرددها القتلة، هي مجرد محاولة لتغطية عين الشمس بغربال.

عندما يسمع أهل حلب صيحات وصرخات مقاتلي حزب الله الطائفية والمذهبية، ويرون فعل أيديهم، وعندما يشاهدون جنرال حراس الثورة الإيرانية قاسم سليماني "يتمختر" بطريقة "طاووسية" بين أكوام بيوت هذه المدينة التاريخية المهدمة، ومن خلفه زمجرات الطائفيين "المتوعدين" أهل هذه المدينة بتسديد ثارات تاريخية موهومة، تعود إلى نحو أكثر من ألف وخمسمئة عام، أفلا يعني هذا أن المستهدف بكل هذه الحرب ليس الإرهاب الدولي والتطرف، وإنما الذين يتم تهديم بيوتهم فوق رؤوسهم ورؤوس أطفالهم، والذين يتم اقتلاعهم من مدينتهم وتهجيرهم من مناطقهم إلى مناطق بعيدة، وفي عملية تفريغ "ديموغرافي" مقصودة، على غرار ما جرى في دمشق الشام في وقت مبكر.

إن هذه هي الحقيقة، وهي حقيقة قد أوجعت ضمائر كل أصحاب الضمائر الحية في الغرب الأوروبي والأميركي وفي العالم بأسره، وبغض النظر عن انتماءاتهم الدينية، ولذلك ومع إدانة عملية اغتيال السفير الروسي في أنقرة، بكل ما في قواميس الإدانة من مفردات، فإنه يجب ألا يكون مستغرباً أن يكون الشعب التركي أول المتأثرين بما جرى في مدينة حلب، ذات الغالبية العربية السنية، وهذا ينطبق على الباكستانيين والأفغان وقرابة مليار ونصف من المسلمين، وعلى كل أصحاب الضمائر الحية في العالم بأسره.