على رائحة بخار «سلق القوانين» لرفع الإيقاف عن النشاط الرياضي، يعقد مجلس الأمة اليوم جلسة خاصة قد تشهد تعديلات جذرية على قانون الرياضة تعود به إلى مرسوم القانون 26 لسنة 2012، ليضع مقترحو عقدها الكويت في مأزق، سواء نالوا ضمانات خطية من اللجنة الأولمبية الدولية و«الفيفا» بأن تلك العودة كفيلة برفع الإيقاف أم لا، فإذا كانت لديهم الضمانات فسيصادرون سيادة البلاد على قوانينها، وإن كانت الأخرى فسيغدو الهدف دعم شخصيات مُعيّنة، فضلاً عن إرباك المشهد المحلي.

وكي يصل المجلس إلى التصويت على هذا التعديل، عليه تكليف اللجنة التشريعية البرلمانية النظر في الاقتراح المقدم من بعض النواب، ومن ثم إحالته إلى اللجنة الصحية البرلمانية لمناقشته وإقراره، ورفع تقرير به إلى الجلسة لمناقشته مجدداً في القاعة.

Ad

وفي هذه الحال، يتطلب التصويت مداولتين حتى يكون نافذاً، إذا ما حصل على الأصوات المطلوبة في «الأولى»، والعدد المطلوب لاستثنائه من مدة الأسبوعين والتصويت عليه في مداولة ثانية بالجلسة ذاتها.

وكان المجلس المنحل شهد العديد من القوانين التي تم «سلقها»، ما أثار غضباً سياسياً وشعبياً بسبب طريقة «سلقها» خلال أقل من 24 ساعة، ومن اللافت أن من الشخصيات السياسية التي انتقدت بشدة ذلك السلوك النيابي وقتها أعضاء في المجلس اليوم، وهم من قدموا أيضاً اقتراحاً لـ«سلق» قانون الرياضة تحت غطاء رفع الإيقاف الرياضي.

أسئلة عديدة تطرح نفسها قبل التصويت على أي قانون في جلسة اليوم، أبرزها: هل يملك مقدمو الاقتراح «المستعجل» ضمانات «خطية» لا «شفوية» من اللجنة الأولمبية الدولية والاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بأن العودة إلى مرسوم قانون 26 لسنة 2012 كفيلة برفع الإيقاف؟

إذا كانت الإجابة نعم، فهنا تكمن إشكالية فرض المنظمات الدولية على الكويت صيغة قانونية معينة لا يمكن لأي نائب من الـ49 أو الحكومة إبداء الرأي فيها أو إدخال تعديلات عليها، لأنها قد ترفض من الهيئات الدولية أو تُعَدّ تدخلاً حكومياً في الشأن الرياضي، وما على المجلس عندئذ إلا السمع والطاعة، وهو ما يصادر سيادة الدولة وحرية النواب في التشريع.

أما إذا كانت الإجابة بأنه «لا ضمانات» في رفع الإيقاف بعد العودة إلى مرسوم القانون السابق، فهنا ندخل في إشكالية أخرى، لأن الهدف رفع الإيقاف لا عودة شخصيات رياضية إلى مقاعدها، إضافة إلى أن التعديلات التي أدخلت على القانون خلال السنوات الأربع الماضية وضعت لكثير من الاتحادات والأندية الرياضية مراكز جديدة في وضعيها القانوني والإداري، وهو ما يعني أن هذه الجهات المحلية ستقع في إشكاليات كثيرة للعودة إلى ما يتوافق مع مرسوم القانون 26 لسنة 2012.

وقد تكون مهمة «التشريعية» البرلمانية سهلة لأنها تنظر إلى الاقتراح من حيث توافقه مع الدستور وعدم مخالفته مواده. وبحسب تشكيل اللجنة الجديد يبدو أن الضوء الأخضر متاح لمرور الاقتراح إلى نظيرتها «الصحية».

المعضلة الحقيقية ستكون في «الصحية البرلمانية»، التي سيكون أمامها ساعات قليلة للانتهاء من إعداد تقريرها بشأن اقتراح العودة إلى مرسوم 26 لسنة 2012 لعدة أسباب، أبرزها أن أغلب أعضائها، إن لم يكن جميعهم، لا علاقة لهم بالشأن الرياضي وتفاصيل الأزمة، وهو ما يتطلب استدعاء المعنيين بالقضية من كل الأطراف.

كما يعد السعي الحثيث للنواب من متبني إعادة القانون الذي عملت الحكومة على تعديله بموافقة المجلس- أكثر من مرة- لتطبيقه بالشكل الأمثل دون جدوى، مثاراً للاستغراب كذلك، فالقانون يحتوي العديد من المثالب التي من شأنها التشبث بالفوضى الرياضية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، إلغاء دور الدولة في الرقابة المالية والإدارية على الهيئات الرياضية، على الرغم من كونها الداعم الأول والوحيد للرياضة، إضافة إلى تهديد مجالس الأندية بالحل لعدم قدرتها على عقد الجمعيات العمومية غير العادية لاعتماد الأنظمة الأساسية نظراً لوجوب حضور ثلثي أعضاء العمومية، وهو ضرب من ضروب المُحال، إلى جانب عدم تحديد رسوم الاشتراك السنوية، وهو ما دفع بعض الأندية لتحديد مبلغ 1000 دينار كرسوم! فضلاً عن عدم تحديد أعضاء مجلس الإدارة، مما يترتب عليه تحديد عدد كبير قد يصل إلى 50، وذلك لأسباب انتخابية لا من أجل إصلاح الرياضة والارتقاء بها.

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: ما الهدف من العودة للعمل بقانون به كل هذه المثالب في هذا التوقيت؟

ثم إن الحكومة إذا ما قدمت- خلال الجلسة - مشروع قانونها بشأن الرياضة، كما وعدت المجلس في رسالتها عقب التصويت على التوصية البرلمانية، فإن «الصحية» ستكون ملزمة بنظر هذا المشروع وكتابة تقريرها بشأنه، وقبل هذا الإلزام يجب أن تتأكد اللجنة أن ذلك المشروع لا يخالف الميثاق الأولمبي ولوائح «الفيفا»، كما يردد أصحاب نظرية التعارض، وهو ما يتطلب هنا استمزاج رأي المتخصصين في القوانين الدولية الرياضية، والاستماع إلى وجهة نظر الرياضيين المحليين المعنيين بالأمر أولاً وأخيراً.

وهنا يبرز سؤال آخر، هل بالإمكان الانتهاء من كل تلك المتطلبات خلال ساعات؟

إذا ما وضعنا فرضية «السلق السريع» لكل ما سبق، ورفعت «الصحية» البرلمانية تقريرها للمجلس- مستبعدة المشروع الحكومي- للتصويت عليه، فإن احتماليات إدخال تعديلات جذرية على المرسوم بقانون واردة بشكل كبير، لا سيما أن الحكومة ذكرت في رسالتها إلى المجلس أن قانونها «يواكب التطورات التي طرأت على التشريعات الرياضية الدولية والميثاق الأولمبي، ولا يتعارض مع الدستور وسيادة الدولة وقوانينها وحماية المال العام»، أي إن هناك متغيرات دولية يجب على القانون الكويتي مواكبتها والتوافق معها.

كما أن النواب، وبحسب الدستور، لديهم اليد الطولى والصلاحيات الكاملة لتقديم تعديلات على تقرير «الصحية»، ولا سلطان عليهم في ذلك من المنظمات الدولية، ولعل تجارب الدول المجاورة في حرية وضع تشريعاتها الرياضية دون تدخل دولي في شؤونهم مثال واضح على ذلك، بما يعني أن القرار الأخير محلي لا خارجي.

وهذا ما يعيدنا إلى المربع الأول: أي تعديل على مرسوم قانون 26 لسنة 2012 يعني عدم رفع الإيقاف، وفي المقابل يؤكد أن الكويت لم تعد صاحبة السيادة على قوانينها الرياضية! فما القرار اليوم؟ هل هو سلق القانون الرياضي والقبول بفرض سيادة دولية على السيادة الكويتية وصلاحيات النواب، أم المضي قدماً في مواجهة التدخلات والإملاءات الخارجية بتوجيهات محلية؟