كشف بيان وزارة المالية بشأن اعتمادات ميزانيات الوزارات والإدارات الحكومية للسنة المالية 2016 - 2017، عن تراجع لافت في الانفاق الحكومي العام على البحث العلمي في الكويت ما بين سنوات الفوائض المالية ونظيرتها في العجز، إذ تراجع حجم الانفاق الحكومي على البحث العلمي ما بين عامي 2012 و2013 من 51 مليون دينار بما يعادل 0.1 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي إلى 9.7 ملايين دينار في ميزانية عام (2016 - 2017) أي ما يعادل 0.027 في المئة من هذا الناتج بتراجع في حجم الإنفاق على البحث العلمي ناهز 81 في المئة خلال 4 سنوات!وأوضحت البيانات الصادرة في اعتمادات الميزانية أن اعتمادات بند البحث والتطوير في قطاعات الدفاع والأمن العام والاقتصاد والبيئة والإسكان والمرافق والدين والثقافة والحماية الاجتماعية سجلت إنفاقا صفريا، في حين شكل اعتماد بحوث التعليم نحو 95 في المئة من هذا الانفاق الضئيل على البحث العلمي.
خطط التنمية
وتستهدف الكويت حسب خطط التنمية المتتالية سنوياً رفع نسبة الانفاق على البحث العلمي من 0.1 في المئة الى 1 في المئة، مع اعترافها بأن النسبة المعتمدة دوليا تصل الى 2 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، الا ان النتائج الفعلية سجلت تراجعا كبيرا، ومع حساب إنفاق مؤسسة الكويت للتقدم العلمي البالغ نحو 15 مليون دينار على قطاع البحث العلمي باعتباره تمويلا من القطاع الخاص يكون هذا الانفاق قد بلغ 0.07 في المئة من إجمالي الناتج، وهو بكل الاحوال اقل مما كان يتم انفاقه قبل 4 سنوات ويناقض الأهداف المرصودة في خطة التنمية.إنفاق خليجي وعالمي
ولعل الأوضاع في دول الخليج من حيث الإنفاق البحثي ليست افضل كثيرا من الكويت، باستثناء قطر التي تقول إن الانفاق فيها على البحث العلمي بلغ 2.8 في المئة، أما بقية دول الخليج الأخرى فتتأرجح نسب هذا الانفاق ما بين 0.1 في المئة إلى 0.2 في المئة من الناتج المحلي، وحسب مجلة «باتيل» للبحث والتطوير في الولايات المتحدة التي ترصد مستويات الإنفاق في اي دولة فيها 0.25 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي فما فوق فإن الإنفاق العالمي على البحث العلمي لعام 2015 بلغ 3.7 في المئة من الناتج العالمي تتصدرها إسرائيل بـ 4.2 في المئة من الناتج المحلي -وهي أعلى نسبة عالميا- وفنلندا 3.7 في المئة واليابان 3.6 في المئة وسنغافورة 2.5 في المئة وتايوان 2.4 في المئة.إن الحاجة إلى الإنفاق على البحث العلمي من المفترض ان تتزايد في ظل التحديات الاقتصادية لا ان تتراجع, فدولة مثل الكويت تعتمد على النفط في ايراداتها بنسبة تتجاوز 90 في المئة هي من أكثر الدول احتياجا إلى الابحاث العلمية لتخفيض النفقات الخاصة بالميزانية، خصوصا عندما يتعلق الأمر بأبحاث الطاقة البديلة مثلا، فضلا عن الابحاث الخاصة بخفض تكاليف انتاج النفط الخام والطاقة الكهربائية، فضلاً عن التحول نحو اقتصاد المعرفة والتكنولوجيا، مما يستوجب دعم مشروعات البحث العلمي وتحفيز الابتكار واستثمار حقوق الملكية الفكرية وبراءات الاختراع وغيرها.حاجة اقتصادية
البحث العلمي ليس مجرد بحوث أكاديمية مخصصة للمهتمين، بل يمكن أن تخلق إذا نفذت بجدية مشروع دولة اقتصادي يحول نتاج العقل الى انتاج وسلع وتسويق وقيمة، فشركة مثل «ابل» مثلا نجحت في أن تكون نموذجا للنجاح، فاستطاعت هذه الشركة التي كانت قبل نحو 18 سنة على حافة الإفلاس، أن تعدل نموذج أعمالها وتشغل العالم بمنتجاتها وتصبح واحدة من اكبر شركات العالم وأهمها بالنسبة للمستهلكين، فضلا عن ان التحدي اليوم في سوق النفط حول كلفة انتاج النفط الصخري يرتكز بالدرجة الاولى على الابحاث الخاصة بخفض أكلاف الانتاج، ليتمكن هذا النفط غير التقليدي من منافسة نفطنا وأخذ حصة سوقية أكبر في المستقبل.دول وشركات
مشكلة البحث العلمي في الكويت والخليج عموما لا تتعلق فقط بجانب الانفاق او حصته، مقارنة بالناتج المحلي، إذ ان هناك مشكلات متعددة لا تقل أهمية عن حجم الانفاق كعدم وجود خطة واضحة لمعرفة احتياجات الابحاث العلمية، وفي أي قطاع، فضلا عن ضعف دور القطاع الخاص، وتحديدا محدودية اهتمام القطاع الصناعي الخليجي حتى في قطاعات البتروكيماويات والنفط فيها، وغياب احصاءات احتياجات الاقتصاد والمجتمع إلى الابحاث المطلوب قياسها، ففي الوقت الذي تخصص الشركات في الدول المتطورة جزءا مهما من إيراداتها لتمويل البحث العلمي كي تتعرف على اتجاهات المستهلكين وجودة المنتجات نجد ان أغلبية الشركات الخليجية تحجم عن الاستثمار في الأبحاث، في سبيل خفض تكاليفها، مع ان الابحاث على المدى الطويل تعطي نتائج ايجابية اكثر لهذه الشركات، وتجعلها اكثر توافقا مع متطلبات السوق والمستهلكين.لا شك أن تراجع الانفاق على الابحاث في الكويت خلال سنوات العجز المالي يكشف جانبا مهما من رؤية القائمين على ادارة اموال الدولة تجاه اهمية المعرفة واعتبارها أولى الضحايا «السهلة» لتقليص اي انفاق في الميزانية.