نحن نعرف معاناة ومرارة أهل الأسرى والمفقودين أثناء الاحتلال العراقي للكويت عام ١٩٩٠، نعرف معنى الترقب والأمل والخوف والأحلام التي تراودهم بعودتهم، ومع أنهم يعلمون أن أسرى في نظام كنظام صدام لن يُكتَب لهم النجاة، فإن الأمل لا يتوقف والحلم بعودة الغائبين يظل يراودهم.لقد دعوا أن يزيل الله صدام، وقد فعل، لكن حتى بعد انتقام الله فإنهم مازالوا ينتظرون ويأملون ويحلمون بعودة أحبابهم.
نحن فقط، عائلة محمد علي البداح، ندرك معنى الفقد والحرمان من الأب، أهالي الأسرى يفخرون بشجاعة أسراهم ويعرفون من أسرهم ويعرفون أن الدولة بذلت، ومازالت تبذل، المساعي لمعرفة مصيرهم، وإن لم يعودوا فهم موقنون أنهم ماتوا شهداء، أما عائلة محمد البداح فمنذ نهاية عام 1961 لا يعلمون اَي شيء عن فقيدهم، ورغم الكتابة في هذه القضية عشرات المرات فإن حكومة الكويت لا تلقي بالاً لما نكتب، ولَم تحاول الرد أو حتى السؤال عن سبب الاستمرار في الكتابة، وكأن مَن اختفى منذ خمسة وخمسين عاماً ليس من هذا البلد، أو لا يعنيهم في شيء، أو، وهذا هو الأقرب، أنهم لا يريدون أن يعرفوا، ويفضلون أن تطوى هذه السيرة حتى لا تفتح أبواب لا يريدونها أن تفتح. خمسة وخمسون عاماً لا نعرف فيها عن مصير والدنا شيئاً، وظللنا نحلم كما يحلم أهالي الأسرى، ولكنهم يعرفون أين اختفى أبناؤهم ومن أسرهم أو قتلهم، ولكن عائلة محمد البداح لا تعلم أي شيء، تعلم أنه ذهب ضحية لجشع سراق الأراضي، ولكن لا أحد يريد فتح هذا الملف لأن بعض سراق الأراضي من علية القوم، ولا أحد يستطيع الاقتراب منهم. كتبت عن الجريمة الكاملة، وكتبت عن الحوادث التي مر بها محمد البداح، وكتبت عن همس الناس بأن وراء هذه القضية ما يمنع الاقتراب منها، إلا أن أحداً لم يلتفت ولا يريد أن يلتفت إلى ما يقال.بعد خمسة وخمسين عاماً هل نسكت؟ طبعاً لن نسكت وسنظل نثيرها حتى يصحو ضمير لإنسان يعرف الحقيقة أو أن يتذكر الفاعل في لحظة الموت، فيعترف قبل لقاء ربه. صبر أهالي الأسرى وأكدت لهم الحكومة أن يحتسبوهم عند الله شهداء، ولكن لأنهم لم يدفنوهم بأيديهم، ظلت الحسرة في قلوبهم، فهل نجد شجاعاً يخبرنا بما حدث لمحمد البداح؟
مقالات
أهالي الأسرى والمفقودين
22-12-2016