أود كثيراً أن أكون، كما عهدتني متفائلة، وأودع عامي بمحبة لأستقبل عاماً جديداً بكثير من الحب والتفاؤل، كما كنت قبل سنوات، ولكني لست سوى فرد من منظومة أكبر تسمى العالم، في كل مرة أقتنص فيها فرصة للفرح أشعر بتأنيب ضمير خفي يؤرقني وأنا أصحو على حرق مستوطنات الفلسطينيين من قبل إسرائيل، ومجاعة تفتك باليمن الذي كان يوماً سعيداً لتصبح بؤرة للخطر والموت والمجاعة.

أتجرع كأساً من التفاؤل مجبرة، لكي أعيش، لكي أقدم، لكي أساعد، أبحث عن ذاتي في السفر إلى هؤلاء المنكوبين وأجدد عهدي بهم ما بين الفينة والأخرى، أستمع إلى هموم اللاجئين، وإذ بها تتضاعف عاماً بعد عام، يتزايدون ويتكاثرون على جميع الحدود.

Ad

وبعد كل ذلك تصحو على خبر بأن حلب تباد عن بكرة أبيها، ويتم تنفيذ أكبر عملية نزوح تصاعدت لأكثر من 20 ألف شخص خلال أيام معدودات.

لا بأس، أصبّر نفسي بأن أفضل ما يمكن تقديمه كفرد عادي لا يملك القرار، وليس لديه أي صفة سياسية أو قيادية ليتباحث مع القادة حول عملية السلام، هو على الأقل التبرع، الذي لا أملك سواه، لهؤلاء النازحين، لأقدم أبسط ما يمكنني تقديمه، ولكن هذه الحروب أوجدت حروباً أقذر حتى على المؤسسات الإنسانية، ولأن الهلال الأحمر الكويتي هو الجهة الأكثر ثقة في بلدي، والتي تمثل الدولة، فإنها قد تعرضت لحملة شعواء من قبل جماعات غير نزيهة، مفادها أن التبرعات تذهب إلى نظام الأسد، ولأن البشر يصغون بإنصات مذهل إلى كل الإشاعات فقد تناقلوها سريعاً.

وقامت الجمعية بتكذيب الخبر، ولكن السؤال، رغم جميع ما يحدث في العالم: كيف للبعض بسبب أجندة، أياً كانت مساعيها، أن يسعى إلى تشويه حتى العمل الإنساني في ظل ظروف قاسية تستدعي تعاون الجميع من أفراد ومنظمات لتقديم، ولو شيئاً يسيراً، لإخواننا المنكوبين أينما كانوا.

في كل يوم هناك ما يدعو إلى الشعور بالألم تجاه الغير، إن لم يكن تجاه جيرانك الذين يعانون الأمرّين، من حروب وقتل وتهجير وأزمة لاجئين لم يستطع العالم، حتى، أن يستوعبها ويتعامل معها بشكل منصف.

نقف على أعتاب سنة جديدة وكل ما نملكه من سنة مرت حزمة خيبات، ومآسٍ، ومجازر، وكأن العالم يمر بحرب ثالثة تنافس جميع الحروب التي سبقتها في قسوتها وقوتها وانتشارها.

من أنا اليوم؟ لست سوى إنسان لم يعد يتشبث بالأحلام الوردية من فرط قتامة الواقع، وأشعر أن العالم يقف متفرجاً على مأساة غيره ولا يملك سوى القلق والاستنكار دون أن يقوم بما هو أكثر من ذلك.

تُجرَح إنسانيتي كل يوم وأنا أقرأ التعصب الديني، والعنصرية المفرطة، والكراهية المكثفة لأي مختلف عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت وسائل للكراهية وبث سموم الفتنة، أثبت الواقع أن البشر يميلون إلى العنف والقتل حين لا تفرض عليهم قوانين تهذب سلوكهم، وأن الرحمة فعل استثنائي في ظل غياب القوانين.

قفلة:

هذا العالم لن يصبح مكاناً أفضل وأنت ترفض الآخر وتكرهه لأنه مختلف، تعلم كيف يمكنك أن تتعايش مع المختلف، وأتمنى لو يتم فعلياً تجريم الكراهية، لأن البشر، كما ذكرت مسبقاً، خسروا معركتهم مع إنسانيتهم ولم يتبقّ سوى القانون ليردعهم اليوم.