ألد الأعداء قد يتحول إلى أعز الأصدقاء
سيزور رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، برفقة أوباما، بيرل هاربور الأسبوع المقبل، حيث سيكرّم ألفَي أميركي قُتلوا في الهجوم الذي دفع قبل 75 سنة الولايات المتحدة إلى دخول الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى ذلك، سيحتفل القائدان بالصداقة اليابانية- الأميركية التي أصبحت "تحالف أمل لن يتبدّل".من فيلم أعدته البحرية عام 1943، علِم المشاهدون الأميركيون أن اليابانيين كانوا بطبيعتهم توتاليتاريين عنيفين لا يترددون في إنزال الدمار بلا رحمة... على أشخاص عاجزين وذبح كل مَن يقفون في طريق اليابان. روى هذا الفيلمَ، الذي حمل عنوان "أعداؤنا اليابانيون"، الدبلوماسي الأميركي المميز جوزف كلارك غرو، وهو سياسي من بوسطن شغل مرتين منصب مساعد وزير الخارجية. أوضح غرو، الذي اعتُبر خبيراً في أسلوب الحياة الياباني، أنه "ما من أمر قد يقف في وجه جنون اليابان غير جهودنا الكاملة المتضافرة، فهذا العدو بدائي، وقاتل، ومتطرف".ولكن في عام 2016، صارت الصداقة والتحالف بين اليابان والولايات المتحدة أمراً مسلماً به، حتى إن هجوم بيرل هاربور يُعتبر اليوم مستحيلاً كما قصف هيروشيما، كذلك ما عادت معاملة اليابان الوحشية لسجناء الحرب الأميركيين ممكنة، شأنها في ذلك شأن احتجاز الولايات المتحدة المروّع للمهاجرين اليابانيين.
أحياناً تمهّد الهزيمة العسكرية الكبرى الدرب أمام تحالف عميق ودائم، كما حدث مع اليابان وألمانيا بعد عام 1945، وفي حالات أخرى، يشكّل الإنهاك المتبادل، وتوسّع التجارة، وانتشار القيم الديمقراطية المنوّرة حافزاً لإنهاء العداوات الدامية التي بدت في السابق راسخة. على سبيل المثال، دام الصراع الدموي بين إنكلترا وفرنسا على عرش فرنسا في القرون الوسطى فترة طويلة جداً، حتى بات يُعرف بحرب المئة عام، أما اليوم، فتشكّل فرنسا وبريطانيا حليفين في حلف شمال الأطلسي، شريكين تجاريين لصيقين، ووجهتين سياحيتين متبادلتين، كذلك تُعتبر الحركة بين البلدين متينة وثابتة مع عبور أعداد كبيرة من المسافرين القناة الإنكليزية يومياً بالسفن البخارية، والقطارات، أو الطائرات.رغم ذلك، كانت بريطانيا وفرنسا عدوين عسكريين لدودين في القرن التاسع عشر، ولم تخبُ العداوة وعدم الثقة ويتحولا إلى صداقة كانت تُعتبر في الماضي مجرد حلم مستحيل، إلا مع اقتراب القرن العشرين. نعتبر، نحن الذين نعيش في عام 2016، تخيّل تحالف لصيق ومتين بين روسيا والولايات المتحدة مجرد وهم، وقد يبدو لنا مستحيلاً أيضاً أن يبدّل الحكام الثيوقراطيون في إيران نظرة "الموت لأميركا" العالمية التي يتبعونها بنظرة ملؤها التعاطف والتعاون اللصيق مع الغرب. وبينما يذبح المتطرفون الأبرياء من سورية إلى سان برناردينو، قد يظن الكثيرون أن احتمال بروز تنوّر إسلامي هدفه نشر السلام، الحرية، والتسامح مجرد حلم بعيد المنال؟لكن أحلاماً وأوهاماً مماثلة تحوّلت أحياناً إلى واقع.لنتأمل في وصف محرر "أميركان هيريتج" ريتشارد سنو للسفن الحربية التي تواجهت في بحيرة إيري في صباح 10 سبتمبر عام 1813، حيث يقول: "قادت تشيبيوا خطوط الأعداء وتلتها سفينة باركلي الأولى ديترويت، والسفينة الشراعية ذات الصاريين (الملكة شارلوت)، والسفينة الشراعية ذات الصاريين والمدافع العشرة هانتر، والسكونة لايدي بريفوست، والزورق ليتل بلت، ونظّم القائد أوليفر هازرد بيري صفوفه بهذه الطريقة كي تكون السفينة لورانس في الطليعة مع السكونتَين آرييل وسكوربيون الواقفتين قربها في اتجاه الرياح، وإلى جانبهما كاليدونيا ثم المقاتلة هانتر وأخيراً نياغارا".عندما اندلع القتال بين الأميركيين والبريطانيين، كان فظيعاً، فقد لقي عدد كبير من الرجال من كلا الطرفين حتفهم أو أصيبوا بجراح، وانتشر الدم والصراخ والحطام في كل مكان. وتشكّل معركة بحيرة إيري واحدة من مواجهات بحرية عدة في حرب عام 1812 الدامية، وما زالت الإشارات والخرائط التاريخية في أماكن عدة على ضفاف البحيرات العظمى ونهر سانت لورانس توضح بالتفصيل وحشية الحرب التي شهدتها تلك المناطق.ولكن على الحدود، قبالة المكان الذي تصادمت فيه السفن، لا ترى اليوم سوى خط على خريطة، مع أن هذه الحدود تُعتبر الأطول بين أمتين على الأرض، حيث تمتد على مسافة 8890 كيلومتراً تقريباً لتحدد الأحياء الأميركية والكندية.إذاً، قد تتحول الجبهات الأكثر تسلحاً إلى سلمية، وقد يصبح ألد الأعداء أصدقاء... صحيح أننا نعيش في الحاضر، وعلينا تقبّل العالم على حاله، لكن عداوة اليوم قد لا تدوم.جيف جاكوبي** (بوسطن غلوب)