نتيجة لما يمكن تسميته «سطوة الفيلم الروائي الطويل»، وطغيان نجومية أبطاله على ما عداهم من عناصر، تراجعت مكانة الفيلم الروائي القصير. بعده بخطوات جاء الفيلم التسجيلي، وارتكب الصحافيون، وعدد من النقاد السينمائيين، «خطأ تاريخياً» عندما ركزوا جلّ اهتمامهم على الفيلم/ النجم، وتجاهلوا طفرة تحققها «السينما المظلومة»، والجرأة التي يتحلى بها مخرجوها، سواء في اللغة الفنية التي لم تخش التجريب، أو الرؤية الفكرية التي تجاوزت الخطوط الحمر!أهمية تشهد عليها باقة الأفلام القصيرة التي تابعها جمهور «مهرجان دبي السينمائي الدولي» في دورته الثالثة عشرة (7 – 14 ديسمبر 2016)، وامتلكت من الجرأة والشجاعة ما جعلها مثار جدل واستحسان، مثلما رأينا في «الساعة الخامسة» (العراق/ 14 دقيقة) إنتاج وتصوير ومونتاج أيمن الشطري وإخراجه. عُرض الفيلم لأول مرة عالمياً في مسابقة «المُهر الخليجي القصير». نرى فيه الشاب الذي أدمن، في طفولته، مشاهدة المسلسلات «الكارتونية»، وتمنى لو أصبح مثل البطل الخارق «غرانديزر»، لكنه أخطأ الطريق إلى بلوغ الحلم، وانخرط في صفوف التنظيمات الإرهابية، وسرعان ما تحول إلى «انتحاري» ارتدى «الحزام الناسف»، واعتلى سطح بناية في العاصمة العراقية بغداد، قبل التحرك إلى «الهدف»، الذي تحدد لتفجيره «الساعة الخامسة»!
اللافت أن صانع الفيلم أيمن الشطري، الذي كتب السيناريو مع أمير إحسان، لم يُفصح في البداية عن الانتماء الديني المتشدد للشاب، واكتفى بالإشارة إلى إيمانه بأن «الأفضل للأغبياء أن يموتوا... لأن الحياة في وجودهم أصبحت لا تُطاق». لكنه سرعان ما صوب الانطباع، الذي يمكن أن يكون قد نشأ لدى المتابع للأحداث، بالتنويه إلى موقفه الفكري، والديني، المناهض للموسيقى والغناء، واتجاهه إلى تحريمهما، فضلاً عن قناعته بأنه «ينتظر الخلود»، في حال نجحت عملية «الساعة الخامسة» الانتحارية!كان بمقدور المخرج أن يكتفي بهواجس الشاب المريض، ويرافقه في رحلة الإعداد قبل تنفيذ العملية الانتحارية، بعد الكشف عن دوافع نفسانية وظروف اجتماعية ساقته إلى هذه القناعة المنحرفة، وهذا المصير المأساوي. لكنه خشي في ما يبدو أن يُصبح فيلمه تنويعة مكررة عن أفلام أخرى، أبرزها «الجنة الآن» للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد، الذي يروي أحداث آخر 48 ساعة في حياة شابين فلسطينيين يستعدان للقيام بإحدى العمليات الاستشهادية في فلسطين المحتلة، لهذا أقحم شخصية الفتاة التي يلتقيها الشاب قبل تنفيذ جريمته، ونعرف أنها تخدع أهلها لترى حبيبها، وجرياً على الذهنية السائدة للشاب، ومن على شاكلته، يستنكر كونها سافرة، ويسألها: «هل أنت مسلمة؟»، مُطالباً إياها بارتداء الحجاب، فتنصحه بأن يحكم على الناس بالجوهر وليس بالمظهر، وتُبدي تعاطفاً حياله، بعدما تُرثي لحاله، وتعرض عليه المساعدة!أدرك كاتبا السيناريو أن شخصية الفتاة مُقحمة، و{محشورة»، فأرادا أن يجدا مبرراً لوجودها فافتعلا لقطة زائدة عن الحاجة أظهرت غلاف كتاب بحوزتها يُشير إلى «دراسة سيكولوجية عن المرضى الانتحاريين»، في مصادفة ميلودرامية فجة، وافتعال صارخ، ومباشرة تتناقض والفكرة أو سير الأحداث، ثم كانت الطامة الكبرى مع النهاية الملفقة التي يعترف فيها «الانتحاري» بأنه «الغبي»، وهي النهاية التي لا تتسق ومثل هذه العقلية العصابية، التي تتعاطى كثيراً من الأفكار المتطرفة، طوال سنوات عدة، ولا يمكن أن تستسلم أو تتراجع عنها بهذا الشكل الفجائي وغير المنطقي!يُحسب للمخرج أيمن الشطري اختياره الجريء لهذه القضية الشائكة، وحماسته المفرطة لطرح رؤيته الخاصة، بعيداً عن أية إملاءات، بدليل تصديه لإنتاج وتصوير ومونتاج الفيلم وإخراجه، بالإضافة إلى المشاركة في كتابة السيناريو، وهي المسؤولية الصعبة، بل المهمة الجسيمة التي ارتضى أن تُلقى على عاتقه، وربما عطلت تدفقه، وهو المخرج والمنتج المستقل، الذي ولد في عام 1992، في مدينة الناصرية، وحصل على درجة البكالوريوس من قسم السينما والتلفزيون في كلية الفنون الجميلة بـجامعة بغداد، وبدأ حياته المهنية كمونتير في الأفلام العراقية، بالإضافة إلى خبرته في التصميم، المؤثرات الصوتية وتصميم الصوت، وأنجز الفيلم القصير «ليلة دافئة»، وأظهر براعة في إدارة ممثليه: كرم ثامر وصفا نجم وكرار المهدي أبطال «الساعة الخامسة»، الذي نظلمه في حال نظرنا إليه بوصفه فيلماً عن انتحاري عراقي فحسب!
توابل - سيما
«الساعة الخامسة»!
23-12-2016