6/6 : تهنئة مستحقة
في الخامس والعشرين من ديسمبر 1990، ومن رحم معاناة الشعب الكويتي آلام الغزو العراقي، كانت مئات الآلاف من رجال ونساء التحالف الثلاثيني، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، يتقاطرون على المملكة العربية السعودية، لتنطلق فيما بعد عبر أراضيها وسمائها وبحارها "عاصفة الصحراء"، لتحرير الكويت من براثن الاحتلال.كانت تصلنا عبر الفضائيات لقطات التوديع الباكية من أولئك المقاتلين لأسرهم من أبناء وأزواج وأمهات وزوجات، لأنهم لن يقضوا معاً أعياد الميلاد والعام الجديد، كما هو معتاد، وربما لن يعودوا إليهم أبداً، بسبب خوضهم حرب التحرير، من أجل عودتنا لأرضنا، معرضين أنفسهم للهلاك بأسلحة الدمار الشامل أو سواها.من خلال الرابطة الكويتية للعمل الشعبي، التي تأسست في القاهرة برئاسة الأخ الكبير عبدالعزيز المخلد، لينتظم من خلالها الجهد الكويتي الأهلي من أجل التحرير، وفي سياق جهود واسعة بذلتها الرابطة بهذا الاتجاه، تم تنظيم وقفة تضامن صامتة مع أولئك الأبطال في سفح الأهرامات الشامخة، شارك فيها نساء ورجال وأطفال الكويت المشردون هناك بإضاءة الشموع، وأرسلنا من خلالها رسالة تهنئة بأعياد الميلاد لجند التحالف الذين غادروا ديارهم وأهليهم من أجل أن يعود وطننا إلينا وهم يقضون ليلة عيد ميلاد المسيح (عليه السلام) وسنتهم الجديدة لا في دفء منازلهم وبين أحبتهم، بل في خيام صحراء حفر الباطن وبردها القارس في ذلك اليوم الشتوي الغليظ. فحق على الكويتيين القيام بواجب تهنئة أولئك الأبطال، وتولى الشيخ النبيل صالح كامل مشكوراً طباعة مئة ألف نسخة على نفقته الخاصة وأرسلناها إلى معسكرات القتال في حفر الباطن عبر المراكز الإعلامية الكويتية في القاهرة والطائف.
تلك الرسالة ربطت بين الامتنان والتضامن، والتذكير بأنه في لحظات قرع كنائسهم لأجراس عيد ميلاد عيسى المسيح (عليه السلام) وترديد ترانيم الذكرى المقدسة، هناك شعب مشرد في المنافي ينتظر ساعة العودة إلى دياره، الذي جئتم لمساعدته على تحقيق أمنياته، وهو يهنئكم ويشكركم ويتمنى النجاح لمهمتكم الكبيرة وعودتكم سالمين لأهلكم، ليشارككم كل عام احتفالاتكم بأعيادكم المجيدة. كان الامتنان للكويتيين في حينه كبيراً ومقدراً لتلك المبادرة، لنأتي مع عميق الأسف بعد ربع قرن ونستكثر على إخوتنا المسيحيين الذين ساهموا باطمئناننا في أوطاننا مجرد وجود شجرة لعيد الميلاد في جمعية تعاونية على أرضنا المحررة، في حين زعامات العالم المسيحي أجمع يتسابقون لتهنئتنا في جميع مناسباتنا الدينية!الأخ الأديب د. خليفة الوقيان، كتب قبل أيام في الزميلة "القبس"، أن علماء الدين في الكويت الراحلين الشيوخ عبدالله النوري وعبدالعزيز حمادة وأحمد عطية الأثري كانوا يتوجهون معاً كل عام لتهنئة مسيحيي الكويت في يوم ميلاد المسيح (عليه السلام) في منازلهم، وهم أهل الفتوى والمرجعية الدينية للبلاد التي جُبلت على التسامح وقبول الآخر، بل تكريمه بالتهنئة في أعياده دون تحفظ أو حساسيات. هنا أسترجع اللحظات، ونحن نقف على سفح الهرم في مصر قبل 26 عاماً، لنهنئ أصحاب الفضل علينا وعيوننا شاخصة لوطننا من بعيد،لأكرر التهاني اليوم لإخواننا المسيحيين في الكويت وخارجها بعيد الميلاد المجيد والعام الجديد، سائلاً الله أن يعم الأمن والسلم والتعايش ربوع وطننا وعالمنا بأسره. وكل عام والجميع بخير.