رد الفعل الأميركي الباهت على اجتماع موسكو الثلاثي، وعلى "خارطة الطريق" التي توصل إليها، والبيان الذي أصدره، يدل على أن الولايات المتحدة قد تتخلى عن دورها التاريخي في الشرق الأوسط لحساب روسيا الاتحادية، التي استغلت انكفاء أميركا في عهد إدارة باراك أوباما، التي من المفترض أنه لا خلاف على أنها الأضعف من بين 43 إدارة سبقتها، وسارعت إلى ملء الفراغ، وأصبحت تتصرف على أنها الآمر الناهي في هذه المنطقة التي هي منطقة استراتيجية ومنطقة مصالح حيوية للغرب كله.وهنا فإن الأكثر سوءاً هو أن الرئيس الجديد دونالد ترامب لم يظهر حتى الآن ما يشير إلى أنه سيستعيد الدور الأميركي في هذه المنطقة، التي كانت وستبقى "استراتيجية" ومنطقة مصالح حيوية رئيسية للولايات المتحدة والغرب كله، ورغم أن قدميه أصبحتا على أبواب البيت الأبيض فإنه لا يزال يخبط خبطا عشوائيا، ولا يزال مستمراً في معاداة الإسلام والمسلمين، ولا يزال لم يعرف بعد أن تركيا دولة إسلامية، وأن الذين ذُبحوا في حلب ليسوا المسيحيين وإنما العرب السنة الذين استهدفهم الروس والإيرانيون وشراذمهم الطائفية، ومعهم بالطبع باقي ما تبقى من جيش بشار الأسد.
كانت أكبر وأخطر حماقة ارتكبها باراك أوباما، ومعه وزير خارجيته جون كيري وكل أركان إدارته، هي أنه "فرط" في تركيا الدولة الرئيسية في الشرق الأوسط، وفي هذه المنطقة كلها، والعضو المؤسس في حلف شمال الأطلسي، وصاحبة أكبر وأهم جيش في هذا الحلف بعد الولايات المتحدة، والأسوأ والأخطر أنه بتخاذله وقصر نظره وميوعة وعشوائية مواقفه دفع بهذا البلد إلى الأحضان الروسية، واتخذ موقفاً معادياً لا يمكن تبريره ولا الدفاع عنه، ولا بأي شكل من الأشكال، تجاه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وحزبه، حزب العدالة والتنمية.ربما يقال في هذا المجال إنه لم تعد هناك ضرورة لحلف شمال الأطلسي، ولا لوجوده لا في الشرق الأوسط ولا في أي مكان آخر في العالم، طالما أنه من المفترض أن الحرب الباردة قد انتهت، وأن صراع المعسكرات لم يعد له وجود. وحقيقة إن هذا ربما يكون صحيحاً لو أن الروس، الذين يسعون لاستعادة مكانة روسيا القيصرية والاتحاد السوفياتي، لم يبادروا إلى هذه الاندفاعة السريعة للسيطرة على سورية، التي هي إحدى أهم دول هذه المنطقة، وإقامة قواعد عسكرية استراتيجية لهم على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، ووضع أقدامهم وللمرة الأولى في التاريخ في المياه الدافئة.والواضح، لا بل المؤكد، أن هذه الإدارة الراحلة، إدارة باراك أوباما، لم تدرك أن فلاديمير بوتين، الذي يسعى لاستعادة أمجاد القياصرة "العظماء" وأمجاد زعماء المرحلة الشيوعية، وفي مقدمتهم (الرفيق) جوزيف ستالين، قد قفز هذه القفزة الخطيرة في اتجاه سورية، وقد بادر إلى إقامة هذا الحلف الثلاثي، الروسي – التركي – الإيراني وعينه، بعد القرم وأوكرانيا وجورجيا وجمهوريات البلطيق، على أوروبا الشرقية، ويقيناً إن هذا كله سيتحقق إن لم يتغير دونالد ترامب بعد دخول البيت الأبيض، وإن لم يكن الدور الأساسي، وخاصة بالنسبة للسياسات الدولية، لبعض أعضاء إدارته الفاعلين الذين يصفهم البعض بأنهم سيكونون صقور هذه الإدارة!
أخر كلام
لهذا أصبحت روسيا الدولة الكبرى الرئيسية
23-12-2016