وعد التمويل الرقمي وأثره في التنمية الاقتصادية

نشر في 24-12-2016
آخر تحديث 24-12-2016 | 00:00
في الاقتصادات الناشئة اليوم لا يملك ملياران من البشر حساباً رسمياً في بنك أو مؤسسة مالية أو لدى أي شركة مقدمة لخدمة المال المحمول، ويرتفع معدل غير المتعاملين مع بنوك بين النساء والفقراء وسكان المناطق الريفية.
 بروجيكت سنديكيت تكمن ثورة التنمية الاقتصادية حرفياً في راحة كف واحدة، فمع انتشار الهواتف المحمولة والتكنولوجيات الرقمية بسرعة في مختلف أنحاء العالم، لا يمكننا أن نُدرك بعد بشكل كامل تأثيراتها على التنمية الاقتصادية، وخاصة التمويل، وكلما تغير هذا بسرعة كان أفضل للناس في مختلف أنحاء العالم.

في الاقتصادات الناشئة اليوم، لا يملك ملياران من البشر، 45 في المئة منهم بالغون، حسابا رسميا في بنك أو مؤسسة مالية أو مع أي شركة مقدمة لخدمة المال المحمول، ويرتفع معدل "غير المتعاملين مع بنوك" بين النساء، والفقراء، وسكان المناطق الريفية، وهناك فضلاً عن ذلك 200 مليون مشروع صغير ومتوسط الحجم في أقل تقدير يفتقر إلى الائتمان الكافي، أو لا يمكنه الوصول إلى الائتمان على الإطلاق.

وتعاني ريادة الأعمال، والاستثمارات، والنمو الاقتصادي عندما يجري تخزين المدخرات خارج النظام المالي الرسمي، ويصبح الائتمان نادرا وباهظ التكلفة، من حسن الحظ، وفقاً لتقرير حديث صادر عن مؤسسة ماكينزي العالمية، أنه من الممكن أن تعمل التكنولوجيات الرقمية ــ بدءا بالهواتف المحمولة ــ على معالجة هذه المشكلة بسرعة، مع تعزيز النمو الأسرع والأكثر شمولا.

ومن الممكن أيضا استخدام الهواتف المحمولة والإنترنت للحد من الحاجة إلى النقد وتجاوز القنوات المادية التقليدية، ويعمل هذا على تقليل التكاليف التي يتحملها مقدمو الخدمات المالية بشكل كبير، ويجعل خدماتهم أكثر ملاءمة وسهولة في الحصول عليها من قِبَل المستخدمين، وخاصة من ذوي الدخل المنخفض في المناطق النائية.

وتشير تقديرات مؤسسة ماكينزي العالمية إلى أن انتشار التمويل الرقمي على نطاق واسع من شأنه أن يضيف 3.7 تريليونات دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي للدول الناشئة بحلول عام 2025، ويعادل هذا زيادة بنحو 6 في المئة فوق المعتاد، وفي الدول المنخفضة الدخل حيث معدلات الشمول المالي منخفضة للغاية، مثل نيجيريا وإثيوبيا والهند، قد يرتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة قد تصل إلى 12 في المئة.

كما يعمل التمويل الرقمي على تعزيز الناتج المحلي الإجمالي بطرق عديدة، فما يقرب من ثلثي النمو المتوقع قد يأتي من زيادة الإنتاجية، لأن الشركات ومقدمي الخدمات المالية، والهيئات الحكومية تصبح قادرة على العمل بكفاءة أكبر كثيرا إذا لم تضطر إلى الاعتماد على النقد وسجلات الحفظ الورقية، ويأتي ثلث آخر من زيادة الاستثمار في مختلف قطاعات الاقتصاد، مع انتقال المدخرات الشخصية ومدخرات الشركات إلى النظام المالي الرسمي، ثم تعبئتها لتوفير المزيد من الائتمان، وتأتي المكاسب المتبقية من الأشخاص الذين يعملون لساعات أطول، وهو الوقت الذي كان ليُنفَق في السفر إلى أفرع البنوك والانتظار في طوابير.

كما يخلف التمويل الرقمي تأثيرين إيجابيين عندما يتعلق الأمر بالشمول المالي، فهو أولا يعمل على توسيع القدرة على الوصول إلى التمويل، ففي الأسواق الناشئة في عام 2014، كان نحو 55 في المئة فقط من البالغين لديهم حسابات مصرفية أو يحصلون على خدمات مالية، ولكن ما يقرب من 80 في المئة منهم كان لديهم هواتف محمولة. ومن الممكن غلق هذه الفجوة من خلال تحويل الخدمات المصرفية المحمولة والمحافظ الرقمية إلى واقع، ولكن الفجوة بين الجنسين أيضا لابد أن تغلق: ففي مختلف أنحاء العالم، تبلغ الفجوة بين النساء والرجال في ما يتصل بامتلاك الهواتف المحمولة أو القدرة على الوصول إلى الإنترنت نحو 200 مليون، لصالح الرجال.

ثانيا، يعمل التمويل الرقمي على خفض التكاليف؛ إذ تشير تقديرات مؤسسة ماكينزي العالمية إلى أن التكاليف التي يتحملها مقدمو الخدمات المالية قد تنخفض بنسبة 80 في المئة إلى 90 في المئة، لكي تصبح 10 دولارات سنويا، مقارنة بنحو 100 دولار سنويا اليوم، بتوفير الخدمات الرقمية لعملائها، مقارنة بالحسابات من خلال أفرع البنوك التقليدية.

وبالتالي فإن استخدام قنوات رقمية بحتة يجعل من الممكن تلبية احتياجات العملاء من ذوي الدخل المنخفض، ويُصبِح الشمول المالي مربحا لمقدمي الخدمات حتى عندما تكون أرصدة الحسابات والمعاملات صغيرة.

مع التمويل الرقمي، يصبح بوسع 1.6 مليار شخص من غير المتعاملين مع البنوك ــ أكثر من نصفهم من النساء ــ اكتساب القدرة على الوصول إلى الخدمات المالية، وهذا يعني تحويل نحو 4.2 تريليونات دولار من الأموال النقدية والمدخرات، التي يُحتَفَظ بها حاليا في هيئة أدوات غير رسمية، إلى النظام المالي الرسمي، وهذا من شأنه أن يسمح بتقديم 2.1 تريليون دولار إضافية على هيئة قروض لأفراد وشركات صغيرة، وبوسع الشركات أيضا أن توفر تكاليف العمالة، بما يقدر بنحو 25 مليار ساعة سنويا، عن طريق مبادلة المعاملات النقدية بالمدفوعات الرقمية، ومن الممكن أن تستقبل الحكومات 110 مليار دولار إضافية سنويا ــ للاستثمار في الخدمات العامة المعززة للنمو مثل التعليم ــ لأن القنوات الرقمية تجعل تحصيل الضرائب أرخص وأكثر جدارة بالثقة.

الآن، بدأت خدمات الأموال المحمولة تُظهِر بالفعل إمكانات التمويل الرقمي، ففي كينيا، استفاد تطبيق M-Pesa ــ الذي يحول الهاتف إلى محفظة متنقلة ــ من تأثيرات الشبكة القوية في إحداث توسع هائل في نسبة البالغين الذين يستخدمون الخدمات المالية الرقمية، فقد ارتفعت هذه النسبة من صِفر إلى 40 في المئة في غضون ثلاث سنوات فقط، ثم ارتفعت إلى 68 في المئة بحلول نهاية العام الماضي. وتميل حسابات الخدمات المالية التقليدية إلى النمو بوتيرة الدخل الوطني، ولكن معدل تبني تطبيق M-Pesa كان أسرع كثيرا، مما يدل على أن التمويل الرقمي قادر على تحقيق اختراقات كبيرة في السوق حتى في الدول الأكثر فقرا في العالم.

بيد أن قصص النجاح كهذه لا تحدث في فراغ، فبادئ ذي بدء، يحتاج كل شخص إلى هاتف محمول مع خطة بيانات ميسورة، ورغم أن الشركات تستطيع أن تساعد، فيتعين على الحكومات والمنظمات غير الحكومية أن تعمل على تمديد شبكات الهاتف المحمول إلى المناطق حيث العائد المنخفض والتجمعات السكانية النائية. كما يتعين على الحكومات أن تضمن قابلية التشغيل التبادلي بين البنوك وشركات الاتصالات، وإلا فقد يُصبَح الاستخدام الواسع النطاق للهواتف المحمولة في تقديم الخدمات المالية والمدفوعات مستحيلا.

كما ينبغي على الحكومات أن تعمل على إنشاء أشكال مقبولة عالميا للهوية، حتى يتسنى لمقدمي الخدمات السيطرة على عمليات الاحتيال والغش. في الاقتصادات الناشئة، واحد من كل خمسة أشخاص غير مسجل، مقارنة بواحد فقط من كل عشرة أشخاص في الاقتصادات المتقدمة، وما يقرب من 20 في المئة من النساء غير المتعاملات مع البنوك في الدول الناشئة لا يحملن الوثائق اللازمة لفتح حسابات مصرفية، وحتى عندما يحمل المرء هوية معترفاً بها، فيجب أن يكون قابلا للتصديق الرقمي، وربما تُثبِت الهويات الرقمية التي تستخدم الرقائق، أو بصمات الأصابع، أو مسح القزحية أنها مفيدة ــ وهي تكتسب شعبية بالفعل ــ في الاقتصادات الناشئة.

وأخيرا، يتعين على الحكومات أن تعمل على تنفيذ القواعد التنظيمية الكفيلة بإيجاد التوازن بين حماية المستثمرين والمستهلكين، ومنح البنوك، وشركات التجزئة، وشركات التكنولوجيا المالية والاتصالات الحيز الكافي للمنافسة والإبداع.

ولأن القواعد التنظيمية كثيرا ما تُقصي المنافسين غير المصرفيين، فينبغي للحكومة أن تفكر في الاستعانة بنهج متدرج، تستطيع بموجبه الشركات التي لا تحمل رخصة مصرفية كاملة تقديم منتجات مالية أساسية للعملاء الذين لديهم حسابات أصغر. ومن النماذج الجيدة لهذا "حوض الرمل التنظيمي" الذي يحكم عمل شركات التكنولوجيا المالية في المملكة المتحدة، والذي يفرض متطلبات تنظيمية أقل على الشركات الناشئة إلى أن تصل إلى حجم معين.

إن الشمول المالي أمر بالغ الأهمية لتحقيق النمو الاقتصادي الشامل والمساواة بين الجنسين، وقد لعب بالفعل دورا بارزا في جهود التنمية العالمية، حيث يهدف البنك الدولي إلى تحقيق الشمول المالي العالمي بحلول عام 2020، ومع استخدام مليارات من البشر في الاقتصادات الناشئة للهواتف المحمولة بالفعل، فإن التمويل الرقمي يجعل تحقيق هذا الهدف في حكم الممكن.

* Susan Lund

* Laura Tyson

يمكن استخدام الهواتف المحمولة والإنترنت للحد من الحاجة إلى النقد وتجاوز القنوات المادية التقليدية

عالمياً تبلغ الفجوة بين النساء والرجال في ما يتصل بامتلاك الهواتف المحمولة أو القدرة على الوصول إلى الإنترنت نحو 200 مليون لمصلحة الرجال

على الحكومات أن تتجه لإنشاء أشكال مقبولة عالمياً للهوية حتى يتسنى لمقدمي الخدمات السيطرة على عمليات الاحتيال والغش
back to top