دعا مثقفون مصريون إلى ضرورة التفات مجامع اللغة العربية للبحث عن بدائل لكلمات غربية أصبحت واقعاً وضرورة لا غنى عنها في الاستخدام اليومي للكلمات، مثل «واي فاي، بلوتوث، موبايل، إنترنت، تشات» ، وغيرها، ما يعني ضرورة استدعاء «حيوية اللغة» لمواكبة الواقع اليومي المتغير بشكل متسارع بفعل التطور التكنولوجي والحياة الاجتماعية، وأكدوا أن أساليب التعليم الخاطئة أحد أسباب توسيع الفجوة بين الفصحى وبين العامية، مطالبين بضرورة انتقاء «نصوص جيدة» في المناهج الدراسية لجذب التلامذة وتحفيزهم على «حب لغتهم» .

لغتنا بخير

Ad

أكد الناقد الكبير الدكتور صلاح فضل أن ثمة نغمة تتردد في الأوساط الثقافية عن حسن نية وتجاهل للواقع الحي للعربية والإبداع العربي، وتنعي تدهور اللغة لضعفها وسوء أحوالها.

يرى البعض، بحسب أستاذ النقد العربي في جامعة عين شمس، في منافسة اللغات العالمية كالإنكليزية وانحسار العربية في وسائل التواصل الاجتماعي، تهديداً يمثل خطراً على مستقبل لغتنا، مشيراً إلى أن هذا الوهم مبنٍ على تصور أن الماضي كان يمثل العصر الذهبي للعربية، فيما تراجعت مكانتها حاضراً، وهو أمر غير حقيقي، كما قال.

وتابع: «يكفي أن أذكر نقاطاً أساسية عدة لأبرهن تمكّن اللغة العربية في حياتنا المعاصرة، وكفاءتها في استيعاب الفنون والعلوم والآداب، وقدرتها على مواجهة تحديات المستقبل».

في القرن الماضي مثلاً، ذكر فضل، كانت الأمية تمثل أكثر من %90 من السكان، واقتصر التعليم على الدروس الدينية، لكن التطوّر في مؤسسات التعليم وفي مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية جعل قرّاء العربية الآن يعدون بمئات الملايين بعدما كانوا يعدون بالآلاف سابقاً. كذلك انتشرت مراكز تعليم اللغة العربية في المدارس والجامعات على رقعة الوطن العربي بكثافة شديدة، لتحلّ محل الكتاتيب التي كانت تقوم بدائياً بهذه الرسالة وحيدةً. ولا ننسى أن وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية تتضاعف في الأقطار العربية لتكتب لغة ابتكرها هذا الإعلام، وهي عصرية وتساير التطور في جوانب الحياة كافة، وتعبر عن حاجات الإنسان.

وأكّد أن الكتب التي تؤلف بالعربية تعد بالآلاف اليوم، والكتب المترجمة من اللغات الأخرى تصل إلى عشرات الآلاف، والقادرين على نطق العربية نطقاً سليماً اليوم يتخطون خطباء المساجد وفقهاء الدين».

وأضاف: «مواجهة العربية اللغات الطاغية عالمياً كالإنكليزية والصينية تتطلب تنشيطاً مذهلاً لإمكانات لغتنا، وهي جديرة بأن تستوعب ذلك كله».

وخلاصة الموقف أن «لغتنا بعبقريتها الشعرية وثرائها التراثي وخصوبتها الواقعية الراهنة بخير، وليست في طور الاحتضار، كما يوهمنا بعض حسني النية ممن لا يتنبهون إلى العوامل التي أشرت إليها، وبمتابعة هذا الإيقاع سيكون الغد أفضل».

منحى خطير

على العكس يرى الناقد الدكتور حسام عقل أن «اللغة العربية تمرّ بمنحى خطير وبإحدى أكثر أزماتها عسراً وصعوبة، ويتركز ذلك في مستويات ومظاهر وتجليات عدة، أولها تقلص دائرة المتكلمين بها بصورة صحيحة نطقاً وكتابة، وثانياً ضعف مستوى الأداء اللغوي على صعيد الخطاب الإعلامي العربي، وثالثاً افتقار اللغة العربية إلى مساند لها في الوظائف والأعمال، إذ تفضل المؤسسات والشركات من يتعامل بالإنكليزية نطقاً وكتابة. يضاف إلى هذا كله، اهتراء وضعف المنظومة التعليمية نحواً وصرفاً ومعجماً وتركيباً، ومن هنا فإن نظام التعليم العربي لا ينتج طالباً يتحدث بعربيته بطريقة صحيحة».

وأشار إلى أن «الإيكونوميست» البريطانية تنبأت قبل سبع سنوات بانقراض العربية في مدى نصف قرن، إذا استمر هذا التراجع في الأنظمة التعليمية، والضعف الشديد في استخدام العربية في الإعلام وعلى مستوى مجالات الحياة اليومية من سياسة واقتصاد وتعاملات. يضاف إلى هذا كله ضعف الدور الذي تنهض به المجامع اللغوية العربية، التي تفصلها عن التطورات الحديثة بأشواط واسعة، ولا تقوم بدورها للنهوض بالعربية نطقاً وكتابة، أو حتى على مستوى إعداد المعاجم التي تواكب المصطلحات الحديثة في العلوم كافة وأفرع الدراسات الإنسانية.

وقال إن الأمر يحتاج إلى استنفار عام من المثقفين والإعلاميين والمجامع والمعلمين والأكاديميين والتربويين لإعادة الاعتبار إلى اللغة العربية، وإعداد مناهج دراسية جديدة تواكب العصر وتصون الهوية واللغة، فضلاً عن ثورة جذرية في مجال الخطاب الإعلامي، لرد الاعتبار إلى اللغة العربية. وأردف: «نستطيع أن نضيف إلى هذا أمراً أخيراً يتعلق بالسينما والدراما التلفزيونية، التي ينبغي أن تتوقف عن إهانة العربية واحتقار معلم اللغة العربية».

نصوص جميلة

الناقد الدكتور أحمد مجاهد، قال لـ«الجريدة» إن لدينا مشكلة ضخمة في تعليم اللغة العربية، مشيراً إلى ضرورة إعادة النظر في طرائق تدريسها، إذا أردنا أن نحافظ على الهوية القومية، لأن النصوص التي يتم اختيارها بطريقة غير مناسبة، تجعل الطالب يكره اللغة ويشعر بصعوبتها، إذاً فنحن بحاجة إلى «نصوص جميلة» تحفزه على حب العربية وعلى البحث عن نصوص أخرى بالعربية.

وذكر أنه لا بد من إعادة النظر في طريقة تدريس القواعد، من ثم اختيار النصوص عن طريق «موجهين»، والنظر إلى مدى قدرتها على جذب المتلقي، وتمكينه من العربية، لا سيما أن علاقته أصلاً بالأدب العربي والنحو ضعيفة.

ويرى الشاعر أحمد سويلم أن الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية «لا يعبر عن فرحة وبهجة بأن هذه اللغة أصبحت عالمية منذ عام 1973، لكننا نشعر بالأسى لما وصلت إليه حال اللغة من تدهور وابتذال في الأغاني الهابطة وفي الإعلام وفي الأحاديث اليومية».

وقال: «نشهد اليوم لغة مهجنة على ألسنة الناس ممزوجة باللغات الأجنبية، وكأن التحدث بالعربية أصبح عيباً، أو يدل على التخلف، مع أن ثمة دولاً كثيرة متقدمة تتمسك بلغتها القومية ولا تتحدث بلغة أخرى».

وشدّد: «نحن أمام حالة لغوية تتطلب من الجميع الوعي بالهوية العربية التي تشكل اللغة أهم ركيزة فيها، وتقع المسؤولية على الأسرة والمدرسة والثقافة والإعلام». وختم بأن الانتصار للغتنا العربية يشكّل انتصاراً للهوية والكرامة الوطنيتين، وإذا لم نستطع أن ننقذ لغتنا من التشتت وطغيان اللغات الأخرى عليها، نكون أسأنا إلى وطنيتنا وقوميتنا وهويتنا العربية».