مع شروعها في العمل على طمأنة رأي عام قلق، بعد كشف ثغرات كبيرة في إجراءات مكافحة الإرهاب، واصلت السلطات الألمانية، أمس، تحقيقاتها في اعتداء برلين، غداة مقتل التونسي أنيس العامري المشتبه به الرئيس فيه، وتبحث في هذا الإطار عن شركاء محتملين قد يكونوا ساعدوه في الوصول إلى إيطاليا، على الرغم من إجراءات أجهزة الشرطة في البلاد.

ووفق قائد الشرطة القضائية الإلمانية، هولغر مونش، فإن "مئات" المحققين سيواصلون العمل على هذا الملف خلال أعياد نهاية السنة.

Ad

وفي وقت سابق، صرح رئيس نيابة مكافحة الإرهاب، بيتر فرانك، بأنه "بالنسبة إلينا الآن، من المهم جدا تحديد ما إذا كانت هناك خلال الإعداد والتنفيذ للهجوم، شبكة دعم، شبكة مساعدة، شركاء أو أشخاص ساعدوه"، مشيرا إلى أنه من المنفترض أن يعيد المحققون بناء المسار الدقيق لرحلة العامري من برلين الى ميلانو.

وفي حين دعا الرئيس الألماني يواكيم غاوك في رسالته بمناسبة الميلاد، أمس، إلى عدم الاستسلام "للخوف والتسبب بانقسام أكبر"، قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إن "الخطر الإرهابي مازال قائماً"، وطلبت من وزيري الداخلية والعدل ومن السلطات الأمنية بشكل عام تحليل "كل جوانب" القضية وتسليمها خلاصات "في أسرع وقت".

وقالت: "سندرس الآن بشكل مكثف ما يجب تغييره في ترسانة الإجراءات التي تملكها الدولة".

وتحدث وزير العدل هايكو ماس عن قرارات "ستتخذ بسرعة في يناير"، من أجل تحديد "كيف يمكن مراقبة الخطيرين بشكل أفضل"، ومن جهة أخرى كيف يمكن "طرد" المهاجرين الذين لا يملكون حقاً في الإقامة "في أسرع وقت ممكن".

ورفض وزير الداخلية توماس دي ميزير، أمس، اتهام سلطات الأمن بالفشل بوجه عام في واقعة العامري، الذي لقي حتفه في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة الإيطالية بميلانو، مؤكدا أنه "لا يوجد على المستوى القانوني، إمكان كاف لمراقبة كل شخص خطير على مدار الساعة".

تونس توقف خلية

وفي تونس، أعلنت وزارة الداخلية، أمس، توقيف عناصر خلية جهادية من 3 عناصر مرتبطة بأنيس العامري، بينهم ابن شقيقته، الذي اعترف بأن خاله كان "أمير" مجموعة جهادية اسمها "أبوالولاء" تنشط في ألمانيا، وأنه أرسل له أموالا للالتحاق به هناك.

وأوردت الوزارة في بيان "تم يوم 23 ديسمبر إماطة اللثام عن خلية إرهابية تتكون من ثلاثة عناصر تتراوح أعمارهم بين 18 و27 سنة، تنشط بين فوشانة ومعتمدية الوسلاتية من ولاية القيروان على علاقة بالإرهابي أنيس العامري مرتكب العملية الإرهابية بمدينة برلين".

وأضافت: "تبين أن من بين أفراد الخلية ابن شقيقة العنصر الإرهابي المذكور، الذي بالتحري معه اعترف بأنه يتواصل مع خاله عبر تطبيق تلغرام، للإفلات من المراقبة الأمنية باعتباره مشفرا وسريا".

إيطاليا تتساءل

وفي إيطاليا، تبحث السلطات منذ أمس عما كان يفعل العامري في الضاحية الشمالية لميلانو. هل الهدف كان لقاء أعضاء في شبكة ما؟ أو البحث عن أوراق هوية جديدة ليغادر أوروبا؟ أو الانتقام لأربع سنوات أمضاها في السجن بصقلية، بعدما أحرق مدرسة في 2011؟

وبالتأكيد لا يتوجه أحد بلا هدف الى سيستو سان جوفاني البلدة العمالية السابقة التي لا حياة فيها، ويبلغ عدد سكانها نحو ثمانين الف نسمة وشهدت مقتله. والمكان الذي يشكل عقدة نقل مهمة، يخضع لمراقبة خاصة من الشرطة. والمحطة التي رصده فيها رجال الشرطة هي نهاية خط لقطار الأنفاق، ومنصة كبيرة للحافلات يعبرها يومياً عدد كبير من الأجانب.

ومن هذا المكان تنطلق حافلات الى إسبانيا والمغرب وألبانيا وجنوب إيطاليا. وقد رد العامري على رجال الشرطة الذين طلبوا أوراقه بأنه لا يحملها، وأنه "من كالابريا".

تهديد محض

وفي فرنسا، صرح المدير العام للشرطة الوطنية جان فالكون، أمس، بأن التهديد الإرهابي "مازال مرتفعا جداً"، لكن ليست هناك عناصر تدل على وجود تهديد محدد في عيد الميلاد، وإن كان هناك "خطر محتمل"، مبينا أن "أجهزة الاستخبارات تحلل يومياً مستوى التهديد، واعتداء برلين ذكر الجميع بضرورة القيام بعمليات إعادة تقييم جديدة، والتحقق من أن كل أسواق عيد الميلاد وجميع الأشخاص الذين سيوجدون عند منتصف الليل محميون جيدا".

وفي الولايات المتحدة، اعتبر الرئيس المنتخب دونالد ترامب، أمس، أن اعتداء في برلين، يعكس "تهديدا دينيا محضا". وكتب ترامب على موقع تويتر، بعد نشر الفيديو الذي يبايع فيه منفذ الاعتداء زعيم تنظيم "داعش" أبوبكر البغدادي، أن ذلك "أصبح حقيقة. قدر كبير من الكراهية. متى سترد الولايات المتحدة والدول الأخرى؟".

التونسيون يرفضون عودة المتطرفين

تظاهر مئات التونسيين أمام مقر البرلمان، أمس، للتعبير عن رفضهم عودة الجهاديين من الخارج تحت مسمى "التوبة".

ودعا إلى التظاهرة "ائتلاف المواطنين التونسيين"، الذي يضم منظمات غير حكومية وشخصيات مستقلة رافضة لعودة تونسيين يقاتلون مع تنظيمات إرهابية في الخارج.

وردد المتظاهرون شعارات مثل "لا توبة... لا حرية... للعصابة الإرهابية".

كما رددوا شعارا معاديا لرئيس حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي، الشريكة في الائتلاف الحكومي الحالي، والذي دعا سابقا إلى "فتح باب التوبة" أمام الجهاديين الراغبين في العودة إلى تونس، شرط أن "يتوبوا إلى الله" "توبة حقيقية" ويتخلوا عن العنف.

ورفع المتظاهرون لافتات كتبت عليها شعارات مثل "لا لعودة الدواعش"، و"إرادة سياسية ضد الجماعات الإرهابية".

التيار الجهادي ينتشر بين الألمان

مع وصول الآلاف من اللاجئين، شهد التيار الجهادي في ألمانيا منذ عامين ازدهارا، خصوصا بين الشباب المهاجرين، ما يثير قلق أجهزة الاستخبارات، التي قدمت أرقاما مقلقة، وقدرت عدد المتشددين بـ 9200، بينهم 1200 قد يلجأون إلى العنف، و549 يعتبرون "خطيرين" على غرار أنيس العامري.

وجغرافيا، شهدت منطقة رينانيا - شمال فيستفاليا، على الحدود مع بلجيكا وهولندا وبرلين، أكبر انتشار، وكان العامري يتردد كثيرا عليها. وما يثير قلقا أكبر، أن السلطات ليست قادرة على وقف هذا الانتشار بين الشباب. ورأى مدير الاستخبارات الداخلية هانس-جورج ماسن في يناير 2015، أن الإسلام المتشدد أصبح "نوعا من الثقافة الباطنية للشباب".

وعندما نفذت الشرطة في 8 نوفمبر عملية ضد مسجد هيلدسهايم لم يفاجأ أحد. فهذه المدينة التي تضم 100 ألف نسمة في ساكسونيا السفلى، التي باتت معروفة بأنها تحولت إلى "معقل" لمجموعات إسلامية تدعو للعنف، وفق السلطات.

وفي 25 أكتوبر، تم تفكيك شبكة شيشانية. وفي 3 نوفمبر صدرت أحكام على ثلاثة ألمان عادوا من سورية. وفي 15 من الشهر نفسه نفذت مداهمات في 10 مناطق استهدفت 190 موقعا مرتبطة بمجموعة محظورة متهمة بتحريض 140 شخصا على التوجه إلى سورية أو العراق.