ينظر الكثيرون مراراً وتكراراً إلى الكويت، وهم محقون في ذلك، بوصفها على رأس قائمة الأقطار العربية المؤمنة بالثقافة وبدورها كرافعة للتقدم المجتمعي، وآية ذلك الاستخدام الحكيم والواعي للثروة النفطية في سبيل تعزيز الثقافة والإنتاج الثقافي الرصين. وهو خيار استراتيجي بعيد النظر برهن على صوابه ونجاعته عند مقارنته بتجارب مأساوية لدول أخرى في الإقليم كرست ثرواتها لزراعة الموت والجوع والخراب.

ولو أننا شئنا مَوضعة تأسيس المراكز الثقافية وتشغيلها في الكويت في السياق التاريخي الحديث، لوجدناها استئنافاً ثقافياً للمشروع التنموي الهائل الذي ظهر في منتصف سبعينيات القرن الماضي، والتي كانت الثقافة واسطة العقد فيه. وأهمية ذلك المشروع تكمن في اختياره، في أزمنة ثورية مدلهمة، التنوير بما يختزله من فكرة تعميم المعرفة والعلوم بوصفهما الطريق نحو تأسيس مجتمع متحضر وإنساني.

Ad

ويحتم الوفاء لروح المشروع الكبير وقيمه تخصيص دور محوري لهذه المراكز في صناعة الثقافة، وأرمي هنا إلى عملية نشر المعرفة وهندسة برامج تفضي إلى التحرر من التعصب والجهل والتزمّت والارتقاء إلى التسامح والتقدم والحضارة. ولا ضير في هذا الشأن من الاستئناس بالمعايير العالمية للتقدم. ذاك أن تجارب المراكز الثقافية في دول رائدة منحتها بسخاء فورة من الحيوية وصبغتها بألوان الحياة، وهذا ما تفتقده الكويت.

ولئن كان مطلوباً من المراكز الثقافية أن تركز في رسالتها ونشاطها على تعميق الهوية الثقافية الكويتية، فإن إشعاعها الحضاري ينبغي أن يغطي الطلبة والمعلمين في مراحل التعليم المختلفة، إلى جانب المؤسسات الروحية، والمواطنين والوافدين ممن يبدون اهتماماً بالثقافة الكويتية. وفي الحصيلة الإجمالية يجب أن تسهم هذه المراكز الثقافية في تحفيز التبادل والنقاش حول كل ما يتعلق بالثقافة الكويتية، وبطرائق تضمن أن يمتد هذا النقاش خارج نطاق المراكز نفسها.

وفي سياقات كهذه، من المهم أن يعمل القائمون على تسيير العمل في هذه المراكز على إطلاق سلسلة من النشاطات المتعددة تميط اللثام عن سحر وجاذبية الثقافة الكويتية والعالمية. وسيكون مفيداً تصميم جملة من الأنشطة والفعاليات الموجهة للشباب، والتي من شأنها تعزيز اهتمامهم بالثقافة، وذلك من أجل حقن الثقافة بجرعة أكبر من الحيوية.

إن الضمانة لعمل هذه المراكز، تتمثل في الدعم الحكومي السخي والنوايا الحسنة للقائمين عليه والاهتمام الذي حظي به من مؤسسات وأفراد مهتمين بالثقافة، وهو ما من شأنه أن يجعل تنمية الثقافة في الكويت أمراً منجزاً.