ماذا تمثل لك جائزة القاهرة للإبداع الشعري التي حصلت عليها أخيراً؟ أعتزّ بهذه الجائزة التي حزتها من مؤتمر له تاريخ في نصرة القصيدة الشعرية، والشعرية العربية. ضمّ الملتقى صفوة من الشعراء والنقاد والأدباء من عدد كبير من البلدان العربية، ويمثل لنا في واقع الأمر نوعاً من اللقاء الحميم بين الشعراء العرب في تشتيت البلاد العربية من خلال جحيم التطرف والإرهاب في اليمن والعراق وليبيا وسورية، كذلك ثمة أطراف في العالم العربي لا نكاد نحس بها مثل الصومال، والسودان الغارق في مشكلاته. يمثّل الملتقى بالنسبة إلي فرصة رائعة كي يلتقي الشعراء ويتبادلوا القصائد، والإحساس بضرورة الشعر، والتصدي لهذه الهجمة الشرسة الشريرة التي تهدد وجودنا وكياننا كعرب. بدورها تمثل الجائزة ترسيخاً للإيمان بدور الشعر في الحياة، لأنه عماد التقدم الإنساني منذ البداية حتى النهاية. بالإضافة إلى أنني فرحت بها لأنني تسلمتها من صفوة النقاد، ولجنة تحكيم من شعراء وأدباء يحظون باحترام كبير في الأوساط الأدبية وفي بلادهم. أعتقد أن الجائزة تؤكد أنني مؤمن بضرورة الشعر وأهميته في حياتنا.
هل بمقدور الشعر مواجهة هذا الجحيم الذي يعيشه الواقع العربي الآن؟ الشعر ليس بندقية، بل هو النفس اللغوي والسحري الذي يعيد بناء شخصية الإنسان من الداخل، وكلما اقتربنا من الشعر وجدناه يرسخ في نفوسنا التسامح، والإيمان بالحق والخير والجمال وبالوطن العربي والوحدة العربية. أما حول مقدرة الشعر على التصدي للإرهاب الذي يتسلح بأفظع الأسلحة الفتاكة لدى الدول التي تدعمه، فأرى أن أهم سلاح في هذه المواجهة هو الإنسان، فهو كيان من الثقافة والعلم والمعرفة والفن والإيمان بنفسه والثقة بالذات، والشعر يغرس فيه هذه القيم كافة، ويؤكد أيضاً روح التعاطف والعودة إلى الإيمان باللسان العربي واللغة العربية. وأهم ما تسفر عنه الملتقيات الشعرية العودة إلى تقوية اللغة العربية في قلوبنا وعقولنا وأرواحنا. هل يوثّق الشعر العربي هذه المرحلة المليئة بالحروب والصراعات مثلما فعل في فترة الستينيات؟ ثمة فرق كبير بين الستينيات، وبين ما نحياه الآن. في الستينيات، كان لدينا مشروع قومي تصدى له الغرب والاستعمار وحاول تحطيمه، من خلال تسليط الدولة الشريرة «إسرائيل» علينا، والوقوف معها وهزيمتنا في 1967. لكننا لم نستسلم للهزيمة، بل واصلنا التحدي واستطعنا إلى حد كبير أن نقطع شوطاً في سبيل انتزاع بعض الحقوق، ولا أقول الحقوق كلها. أما اليوم فيعيش الوطن العربي مرحلة بائسة جداً، ومؤلمة، وربما أسوأ بكثير مما كنا عليه بعد هزيمة 1967.في الماضي كنا نعرف أعداءنا، وكانوا يحاربوننا وكنا متحدين في مواجهتهم. أما الآن فنحن نحارب بعضنا بعضاً، وهذه هي المأساة الحقيقية. لكن القضية ليست في أن الشعر سيوثق هذه المرحلة، فهو يعمل على بناء شخصية الإنسان، وهو السلاح الحقيقي في مواجهة هذه المأساة، إذ يمثّل بناء القيم من خلال الشعر والفن والجمال. أما فكرة التوثيق فموجودة في وسائل الإعلام والاتصال كافة.وأرى أن الشعر ليس دوره التوثيق بل تحفيز الهمم وإثارة الإحساس بالقوة المعنوية والتصدي لما هو سلبي في الحياة الإنسانية. إنه جنس أدبي ضروري جداً لأنه في أساسه يقوم على اللغة، والأخيرة هي أهم ما وصل إليه الإنسان للتعبير عن أفكاره وعواطفه، فالشعر ليس عبثاً، وليس ترفاً، ولكنه بناء للإنسان.
الرواية والشعر
لماذا ينصرف معظم الأدباء إلى الرواية دون الشعر؟ أرى أن القول إننا في زمن الرواية كلام مضلل، فنحن في زمن البحث عن الإنسان، في الرواية والشعر والمسرح والفن التشكيلي والسينما والدراما ووسائل التعبير كافة. لا تنافس بين هذه الفنون، بل تتآزر كلها لإنقاذ روح الإنسان في هذا العصر.لم يتراجع الشعر قط. لدينا تراث شعري في القرن العشرين، لا يمكن أن يقارن به تراث الرواية، فالأخيرة قدّمت إنجازات ولكن الشعر كتب تاريخاً من الأعمال الرائعة منذ النهضة في القرن التاسع عشر. كذلك لا يمكن المقارنة بين هذين الجنسين الأدبيين، فالرواية فن طارئ وحديث على الساحة ونحن نفرح به. ولكنه للأسف يواجه عثرات كثيرة يسببها الروائيون الذين لا يحسنون لغتهم. وأين هي الرواية التي تتحدث بلغة جميلة وراقية وقادرة على أن تبهج الإنسان وتدهشه في الوقت نفسه؟ كثيرون يكتبون الرواية، لكن الشعر صعب جداً، ومرتبط بموهبة في الأساس، وهي نادرة، فليس بإمكان كل إنسان أن ينظمه. وثمة كتاب يحاولون كتابته، لكنهم ينتجون ما يشبه الهذيان. شخصياً، مؤمن بأن الشعر ضروري والرواية ضرورية، لكن عند المنافسة بينهما سينتصر الشعر. ما المعوقات التي تواجه الشاعر المصري، والعربي عموماً؟ بالتأكيد ثمة كثير من المعوقات، أهمها ضعف اللغة العربية، وهو أساس عدم القدرة على تلقي الشعر، وسبب كتابة شعر رديء. كذلك ثمة معوق آخر يتمثّل في انصراف أجهزة الإعلام عن الاحتفاء بالشعر، فلا تكاد تجد في الإذاعة أو التلفزيون برنامجاً راقياً يقدّم الشعر بطريقة جمالية ملائمة وتوافق الوسائل العصرية. والمعوق الثالث من وجهة نظري يتمثّل في انصراف بعض الناشرين عن نشر الدواوين الشعرية للشباب، لأنهم يتصورون أن الشعر لم يعد رائجاً، وأنه ليس سلعة تجارية، وهو أمر يصيب الشعراء بالإحباط من دون شك.أبو سنة في سطور
محمد إبراهيم أبو سنة شاعر وناقد وإذاعي مصري، عضو اتحاد الكتاب، وعضو المجلس الأعلى للثقافة. من مواليد محافظة الجيزة عام 1937، حصل على ليسانس كلية الدراسات العربية في جامعة الأزهر عام 1964، ونال جوائز مصرية عدة، من بينها جائزة الدولة التشجيعية في الشعر عام 1989، إضافة إلى تكريمه في مؤتمرات ومحافل عربية ودولية عدة. ومن أبرز دواوينه: «قلبي وغازلة الثوب الأزرق، البحر موعدنا، الصراخ في الآبار القديمة، رماد الأسئلة الخضراء، مرايا النهار البعيد، رقصات نيلية، ورد الفصول الأخيرة، تأملات في المدن الحجرية، موسيقى الأحلام، حديقة الشتاء». كتب أيضاً مسرحيات عدة، أبرزها «حصار القلعة»، و«حمزة العرب»، إلى جانب دراساته النقدية ومن بينها كتاب «تأملات نقدية في الحديقة الشعرية»، و«دراسات في الشعر العربي»، و«تجارب نقدية وقضايا أدبية». كذلك رأس أبو سنة إذاعة البرنامج الثقافي، وقدم برامج عدة من بينها «ألوان من الشعر»، و«حديقة الأوراق».