تُعتبر ألمانيا حتى هذه المرحلة من القرن أوفر حظاً من فرنسا، حيث حصد الإرهاب المتطرف حياة المئات فيها، وبالتأكيد في الولايات المتحدة التي لقي 3 آلاف شخص فيها حتفهم خلال اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، غير أن الحوادث الإرهابية في ألمانيا ظلت معزولة ونفذها أفراد من دون التسبب في وقوع ضحايا أو مع عدد ضحايا ضئيل.

لكن مرحلة الهدوء هذه بلغت أخيراً خاتمتها الدموية، وقدمت لنا حادثة إطلاق النار العشوائي في مطعم "ماكدونالد" في ميونخ في يوليو الماضي لمحة عما يخبئه المستقبل، فقد أودى طالب إيراني- ألماني بحياة تسعة أشخاص، فضلاً عن حياته. كان مريضاً نفسياً لا يملك أي سجل إجرامي أو دوافع سياسية واضحة، وقبل أيام، انتقلت "نيس" إلى برلين.

Ad

لا شك أن أوجه الشبه مثيرة للاهتمام، ولكن بغض النظر عن هوية المذنبين، تعهدت ميركل بالاقتصاص منهم "بأقصى عقوبة يفرضها القانون"، وسط صدمة تعيشها الأمة؛ فما كان يُفترض أن يحدث ذلك في بلد فاق فيه عدد الاعتداءات الإرهابية المحبطة ما نُفذ فعلاً، ولا بد من الإشارة إلى أن هذا النجاح حُقق بالتعاون مع وكالة الأمن القومي الأميركية السيئة السمعة، فضلاً عن مكتب الاتصالات الحكومية البريطاني والمديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسية.

عموماً حالف الحظ ألمانيا، التي تصرفت بطرق ذكية لم تلقَ دوماً استحسان حلفائها؛ فلم تُرسل جنوداً إلى العراق، أما في الأماكن التي لم يترك لها فيها التزامها بتحالف أي خيار آخر، كما في أفغانستان، فاختارت مواقع بدا فيها القتال مستبعداً، وفي الشرق الأوسط، تقوم القوات الجوية الألمانية بطلعات استطلاع فحسب من دون المشاركة في القتال، وهكذا عملت ألمانيا جاهدة على ألا تتحول إلى هدف للرد أو الانتقام.

يعكس أحد مشاهد الموسم الخامس من مسلسل Homeland الواقع، فعندما يُفتضح أمر وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وهي تتجسس في ألمانيا، تأمرها الحكومة بطرد عضو بارز في فريق برلين، تشعر بطلة المسلسل كاري بالحيرة وتسأل معلمها القديم سول: "ما خطب هؤلاء الألمان الجدد؟". يجيبها: "لا أعلم، كانوا يقاتلون بشراسة في الماضي".

لكن تلك الشرنقة تمزقت راهناً، وصحيح أن الألمان يولون قوانين الخصوصية أهمية كبيرة، إلا أنهم سيلجأون قريباً إلى عملية مراقبة مكثفة، مستعينين بأجهزتهم الاستخباراتية وأجهزة حلفائهم. حتى قبل حمام الدم في برلين، قررت الحكومة الفدرالية تعزيز عملية جمع البيانات وقدراتها الحربية عبر الإنترنت رداً على جهود روسيا الواسعة للتلاعب بسياسات الديمقراطيات الغربية. ولا شك أن ألمانيا ستستثمر المزيد في الأمن.

علاوة على ذلك، إذا اتضح أن الفاعل لاجئ، فستشهد سياسة "الباب المفتوح" التي تعتمدها ميركل في التعاطي مع اللاجئين تعديلات جذرية، إذ تقول ميركل: "سيصعب علينا تحمل ذلك"، و"سيكون مسيئاً لكل الألمان الذي يبذلون قصارى جهدهم يومياً لمساعدة اللاجئين".

هكذا تصل النوايا الحسنة إلى خاتمة سيئة، حيث اعتبرت ميركل سياسة "الباب المفتوح" خطوة أخلاقية عالية تنبع من ماضي ألمانيا البشع، إنها عمل تكفير تاريخي.

ولكن مع المزيد من الاعتداءات الإرهابية، سيحقق "البديل لألمانيا"، وهو حزب سياسي يشبه حزب الاستقلال في المملكة المتحدة، تقدماً كبيراً في الانتخابات العامة عام 2017 حين تترشح ميركل لولايتها الرابعة، ونتيجة لذلك، ستحرص ميركل على أن تظهر بمظهر حامي الأمن القومي، إنما ضمن ضوابط مجتمع يخشى الإرهاب بقدر ما يدافع عن حرياته المقدسة.

هذه القصة، التي بدأت حديثاً، تحفل بالتخمينات، وخصوصاً بشأن مَن قام بماذا ولماذا؟ لكن حقيقة واحدة تظهر جلياً، وهي أن ألمانيا، التي اعتُبرت محظوظة سابقاً، انضمت إلى مجموعة الأهداف الإرهابية في الغرب إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.

* جوزف جوف

* (الغارديان)