ما يدل، بل ما يؤكد أهمية قرار مجلس الأمن الدولي الأخير، الذي وصف حتى من غير العرب بأنه تاريخي، هو رد فعل الإسرائيليين الذي وصل إلى حد "الهيستيريا"، ورد فعل الرئيس الأميركي (الجديد) دونالد ترامب، الذي ما كان بحاجة إلى هذا القرار ليثبت "صهيونيته" الزائدة، إذ إنه خلال معركة الانتخابات الرئاسية قال ما لم يقله الأوائل من مرشحي الوصول إلى البيت الأبيض الأميركيين، الذين بالغوا كثيرا في التذلل لإسرائيل إرضاء لمجموعات الضغط والتأثير اليهودية – الأميركية.

كان رد فعل ترامب على هذا القرار أنه، إرضاء لإسرائيل ومجموعات الضغط اليهودية – الأميركية في الولايات المتحدة، قال بلهجة غلب عليها التهديد والوعيد إنه سيغير الأمم المتحدة بعد الـ20 من يناير المقبل، أي بعد الانتقال إلى البيت الأبيض وتسلم مهامه الرئاسية.

Ad

وهنا فإن السؤال هو: ما الذي من الممكن أن يفعله هذا الـ "ترامب" يا ترى أكثر من احتمال نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس المحتلة؟

إن ما يمكن أن يفعله الرئيس الأميركي الجديد، تنفيذاً لتهديده الآنف الذكر هذا، هو قطع "الحصة المالية" الأميركية عن الأمم المتحدة التي هي رئيسية، لأن مقر الهيئة الدولية هو نيويورك في أميركا، وحقيقة إذا أقدم ترامب على مثل هذه الخطوة "الارتجالية"، فإنه على إحدى الدول المقتدرة أن تتحمل هذه المسؤولية، لكن بشرط أن ينتقل مقر المنظمة الدولية إليها... والمقصود هنا هو فرنسا تحديداً، وذلك لأنها تستحق أولاً أن تؤيد، وثانياً أن تساعد من أجل أن تتحمل هذه المسؤولية.

هذا الاحتمال الأول، أما الثاني فهو أن يبادر ترامب، بمجرد أن يتربع فوق كرسي الرئاسة في البيت الأبيض، إلى إعلان نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس المحتلة، وتكليف السفير الأميركي الجديد ديفيد فريدمان، بهذه المهمة، وهو الذي قال بمجرد تعيينه في هذا المنصب: "أنوي العمل بلا كلل لتعزيز العلاقات الثابتة التي تربط بين بلدينا... وأنتظر بفارغ الصبر أن أفعل ذلك من السفارة الأميركية في العاصمة الأبدية لإسرائيل"!

وهنا، فإن ما يجب أن يضعه ترامب في اعتباره منذ الآن هو أن تحدي "مشاعر" مليار ونصف المليار من المسلمين، و"مشاعر" أعداد هائلة من المسيحيين العرب وغير العرب ستكون عواقبه وخيمة على الولايات المتحدة، وعلى كل الذين يكيلون بمكيالها بالنسبة لهذه الأمور، وإذا كان هناك الآن "داعش" واحد، خرج من بطن "القاعدة" التي كانت حاضنتها في أفغانستان في البدايات أميركية، فإنه سيكون هناك، إذا أقدمت واشنطن على مثل هذه الحماقة، ألف تنظيم إرهابي أسوأ كثيراً من هذا التنظيم الذي يدعي أنه "الدولة الإسلامية".

وعلى صانعي القرارات الخطيرة في الولايات المتحدة، التي نعتبرها دولة صديقة، ولا نتمنى لها إلا الخير، أن "يعدّوا" إلى الألف قبل أن يقدموا على مثل هذه الخطوة... التي ستكون "انتحارية" لا محالة!