الذين تجمعوا أمام السفارة الروسية مؤخراً أمامهم كثير من السفارات والهيئات للوقوف أمامها ابتداء من السفارة الأميركية والإيرانية والعراقية والتركية واللبنانية ودول مجلس التعاون، بالإضافة إلى سفارة سورية سفارة الحكومة التي قتلت شعبها وشردته ودمرت كل مدنه.

روسيا ليست الاتحاد السوفياتي الشيوعي الذي كانت توجه لها سهام الأحزاب والحركات الإسلامية بحجة الإلحاد، إنها الآن الدولة الروسية التي لا تقل رأسمالية عن أي دولة رأسمالية أخرى، وتتشارك وتتنافس مع الولايات المتحدة لحسابها وحساب منافسها على الموارد والقتل من أجل هذه الموارد، وما يحدث الآن في أغلبه وأساسه مصالح كبرى لروسيا كما هي لأميركا وغيرها من الدول التي تطمع في غاز ونفط وخيرات سورية والعراق، بالإضافة إلى المحرك الأكبر لتفتيت الشعب العربي وتقسيم وطنه لتبقى القوة الوحيدة في الشرق الأوسط الجديد وهو الكيان الصهيوني القائم على أرض فلسطين.

Ad

إشعال الفتنة الطائفية هو الطريق الأسهل والأرخص للدول الكبرى لتحقيق أهدافها، فهو المدخل للتدخل الأجنبي، وهو الدافع لتقسيم البلدان العربية، وهو السبب الذي يشعلون به حربا لا تنتهي بين العرب وإيران، ونحن، أقصد الكل شعوب الشرق الأوسط وحكوماته بما فيها إيران وتركيا، بغبائنا وجهلنا وعقدنا وتعصبنا وقعنا في الفخ.

كل طرف دخل إلى سورية بحجة دعم الشعب السوري وحماية الأقليات باسم الله والرسل والأديان والمذاهب ليحولوا الصراع إلى صراع طوائف، تماما كما خططت إسرائيل، وكما توقعت الدول الطامعة في سورية، فانتقم النظام من شعبه ودمر البلاد وهجّر نصف شعبه، وأجهضت ثورة الشعب، وحان وقت قطف المكاسب بين الكبار، ولن يتركوا شيئا لأحد بما فيهم النظام السوري وحلفاؤه، وسيعود الغرباء كل إلى موقعه تاركين الحسرة للشعب السوري وضياع ثورته التي كانت ستحقق الكثير لولا تدخلهم.

ثورة سورية كان يمكن أن تشبه ثورة المصريين، ولو حاول الإخوان ركوب موجتها فإنهم كانوا سيلقون المصير نفسه، ولكن يبقى الشعب السوري في بلده سليما غير مدمر، وإن ما فعلته جميع الأحزاب الدينية ومن وراءها جريمة بحق الشعب السوري، فقد فتحوا الباب للاستعمار الجديد الطامع في خيرات سورية ليثبت أقدامه هناك، وسنرى أن تقسيم سورية سيتم لأن خلاف الطامعين لا الشعب السوري هو الذي يدعو إلى تقسيمها، لكي ينال كل طرف ما صرفه من المليارات لأجله، وستهلل إسرائيل وتفرح وتعود للتفرغ لضرب بلاد أخرى تأتي في مقدمتها مصر وإيران.

دول الخليج العربي لا تحتاج إلى قتال، فقد بدأت عملية مص دمها وسترهن النفط وهو تحت الأرض لإرضاء الغير بخفض أسعاره وشراء السلاح وتكديسه، وضرب اليمن التعيس وإعادة بناء ما تدمره إسرائيل أو المعتدين الآخرين. دول مجلس التعاون بحاجة إلى مواجهة مع النفس واحترام شعوبها والتوقف عن الخوف والاهتزاز أمام المبتزين أو الاندفاع بدون روية في الاتجاه الخطأ.

كل ما حدث وما سيحدث يمكن تحاشيه لو كانت إرادتنا حرة، ولو تصرفنا بعقولنا وهزمنا محاولات الابتزاز التي تحاول إخافتنا من هذا الطرف أو ذاك وإشعال الفتن، يمكن، ولا أزال أكرر، حفظ المنطقة من الدمار لو تملكنا القرار ودعونا كل دول المنطقة لحوار صريح، والاستماع بعقلانية وعدالة لكل طرف، واستخدام طاقة الجميع لمصلحة شعوب المنطقة.

نحتاج إلى عقول مفاوضة تقدم حلولا عادلة للقضايا الشائكة وخصوصا قضايا الطائفية، فالحل لا يحتاج إلى سحر أو ساحر، يحتاج إلى مخلص واع قادر على رؤية احتياجات الناس، ومستعد لاحترام عقائدهم ووضع كل موارد المنطقة لمصلحة اقتصادها ورفاهية شعوبها وتقدمها.