في فترة الخمسينيات من القرن الماضي شهد عالمنا العربي طفرة ثقافية رائعة برز من خلالها عمالقة وقادة في الفكر والأدب والصحافة والفن بكل مجالاته، ولم يقتصر ذلك على جزء معين من الوطن العربي، بل عمت كل أطرافه، من جبال أطلس في أقصى المغرب إلى جبال الشموخ في مهد الحضارة في يمن التاريخ مرورا بالجزائر الثائرة وتونس الخضراء وليبيا العامرة حتى أرض الكنانة والنيل الخالد.

ومن بعيد تلوح في الأفق أرزة لبنان وتفوح أزهار الزيتون، ويتردد صدى صوت فيروز وهي تناجى جارة الوادي، حتى الوصول إلى شارع أبي نواس في بغداد، وإذا ما وصلت إلى الشواطئ الذهبية في الخليج العربي تنساب إلى وجدانك تلك الألحان مع غزارة الكلمات والمعنى، وصوت عذب مثل شادي الخليج وهو يشدو «كفي الملام»، وإذا ما عبرت إلى القارة الإفريقية من خلال السودان الشقيق فتطربك ألحان سيد خليفة بصوته المميز وصولا إلى اليمن السعيد الذي نؤمن بعودة السعادة إلى أرضه.

Ad

كان صدى الأحداث يتردد في كل شوارع المدن العربية إيمانا بأمة عربية واحدة، فأين نحن الآن وقد احتُلت المدن العربية من قبل مئات من الجماعات والأحزاب والتنظيمات بكل اتجاهاتها وأفكارها، وغدت تتقاتل على مساحة عالمنا العربي، ولا أحد يعرف لماذا؟ ومن يقتل من؟ والى أين نسير؟ فبين «نفاق أوروبي» وتخاذل عربي وتحالف الدول الكبرى وتلاقي مصالحها ضاعت أوطاننا.

هدمنا تلك المراكز الثقافية مثل «دار الهلال» التي أسسها جورجي زيدان عام 1892 في مصر، و»دار الصياد» في لبنان التي أسسها سعيد فريحة عام 1939، ودار «الأهرام» وغيرها، هدمنا كل ذلك، ودمرنا كل ما هو جميل في عالمنا العربي، وتم بناء معسكرات تدريب وحمل السلاح وصنع الأحزمة الناسفة والصواريخ المدمرة، وأقمنا أسوار العزلة بين أطياف المجتمع حسب المذهب أو الفكر أو العقيدة أو الحزب، وانتشرت مجالس العزاء في كل الأرجاء، وغدونا نستجدي لقمة العيش لأطفالنا.

وبعد مرور هذه السنين أصبح ذلك الطفل الذي كان يبلغ العاشرة من عمره قبل الربيع العربي قد تجاوز السادسة عشرة، وحتى الآن لا يعرف له منزلا عدا تلك الخيمة الكئيبة في أحد مخيمات اللاجئين، فماذا عسانا نتوقع أن يكون ذلك الشاب إلا حزاما ناسفا أو قنبلة موقوتة أو لغما، فقد نزعنا من قلبه الرحمة وزرعنا فيه بذور الحقد والكراهية.

تحالف العالم ضدنا بعد أن أصبحنا طعما يسهل ابتلاعه، وفي ظل هذه المأساة الدامية لم نجد من يتصدى للدفاع عن أطفالنا ونسائنا وشيوخنا إلا «الشقيقة إسرائيل» التي انبرت تحذر العالم من مغبة السكوت عن تلك الجرائم التي ترتكب بحق الإنسانية، وليس هناك مواقف للتصدي لوقفها.

يا له من قدر ضاحك باكٍ، فقد أتى اليوم الذي تدافع فيه عن أطفالنا تلك الدولة التي كنا نسميها بالأمس الدولة الصهيونية، ونتنادى لإلقائها في البحر ونحرر الأرض من دنس جنودها، ها هي اليوم تنبري للدفاع عنا وسط «تخاذل عربي، ونفاق غربي، وتحالف دول كبرى»، فضاع منا الطريق ولم نعد نعرف من هم أعداؤنا أو من هم أصدقاؤنا إن كان لنا أصدقاء.

حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.