منذ الأمس... جالسٌ أنتَ على عتبةِ بابك،

جالسٌ على عتبةِ بابِ عمرك. تُحصي مرورَ اللحظةِ العابرة.

Ad

وتُحصيك لحظةٌ تمرُّ من خلفِ ظهرك.

خفيفةٌ نُدَف عمرِك. تطير مبتعدة في الهواء.

خفيفة بيضاء...

تتابع أنتَ، من جلستِك عند عتبة بابك، طيرانها بقلبٍ منكسر؛

نُدَف عمرك الغالي!

تبتعدُ دون أن تلتفت إليك، ودون أن تترك عنواناً يدلّ عليها.

.........

منذ الأمس.

منذ أمس الأمس. وأنت جالسٌ هنا ترقب ما يمرُّ بقلبِك،

أو ما يمرّ بجانبِ قلبك، أو حتى ما يمرّ بعيداً عنه.

هو العمر، والعتبة، وأنت. أيكم يقتات على الآخر؟

تدوّن ما يدور حولك،

وتتململ العتبة من جلوسك الثقيل،

ويُحصي العمرُ أنفاسَك، بتسطير كلماتك.

نصف قرن، أو يزيد،

منذ 1958، يراكم عمرُك أيامك كيف ما اتفق،

كلما زاد يوماً عمرك نقص.

وملفوفة بالصوفِ والسرِّ تلك اللحظة القادمة.

لحظةَ تمدُّ الريحُ كفها العريض، فلا تجد في سلة عمرك ندفةً واحدة تطيّرها،

لحظتها لا تجد إلا إياك.

تحملك كأخف ما تكون... تحملك الريح وأكتافُ منْ لا تعرف.

الريحُ وأكتافُ منْ لا تعرف.

منذ الأمس،

منذ المتى وأنت هنا، تنهضُ بين آن وآن. تتركُ مكانك على عتبة باب عمرك،

تسير في كل الاتجاهات، لتعود بالخبزِ، وثلمة حلمٍ

تخبّئها في جيب روحك.

تعاود جلوسك هناك، على عتبة بابك.

كثيرٌ مرَّ بك: هدهدة مهدك، برائحة عطر أمك، ودعاء جدتك، وهدير صوت أبيك.

وصورة المعلم الأول، وذاك الكتاب السحر... وتراب وطنٍ تحلم وتعشق.

كثيرٌ مرَّ بك: انكسار قلب الفقير، ولهفة كسرة أمل، ووحل طين الطريق، ووحدتك.

بقيت تراهن على جِرَاب اللحظة القادمة،

ولم تزل.

.........

جالسٌ اليومَ في أطرافِ ساحةِ عمرك.

متعبٌ تصرُّ على رفعِ هامتك،

هدُّك الطريق، وتركتَ على وجهه آثار خربشاتك.

يهزّ قلبك في نهوضك القادم.

تعشق الجري وراء حلم لا يلتفت.

كلما ذقت شربةً هنيّة، تشوّقت أكثر لخطو الطريق.

عرفت همس الريح، وضحك الأحبة، وطعم الوصال،

وسكاكين غدر الأصدقاء.

تعرفت على الحرف، ضياء بين ضلوعك، وهمس يسكن خفق قلبك.

منذ الأمس، وأنت تسير،

تسير، وتسير...

سنة أخرى تبتعد عند المنحنى، تأخذ معها ندف أعمارنا وتختفي هناك

هناك حيث تنثرها في الهواء،

وأنت جالس هنا، ترقب ما يمرّ بك

وتحصي عليك أنفاسَك لحظةٌ تمرُّ من خلف ظهرك.