بعبارات عدائية شديدة اللهجة، هدد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب وسط حشد من أنصاره إبان حملته الانتخابية بفسخ الاتفاق النووي مع طهران مع دخول الاتفاق عامه الثاني.

ومع اقتراب ترامب من تولي مقاليد الأمور في الاقتصاد الأكبر بالعالم، يراقب الإيرانيون عن كثب ما قد يفعله الرجل تجاه بلادهم، التي عانت بشدة أوقات العقوبات المفروضة عليها.

Ad

وتهاوت العملة المحلية إلى مستوى قياسي جديد منخفض في تعاملات الاثنين أمام الدولار الأميركي لليوم الثاني على التوالي.

وسمحت السلطات لبعض، وليس كل البنوك، بالتعامل بأسعار حرة للدولار أمام الريال يوم السبت الماضي، في حين يعني فيه استمرار الانخفاض تعقيد الأمور أمام الرئيس الإيراني حسن روحاني، فيما تنتظر البلاد انتخابات رئاسية في 2017.

هروب للدولار

وقال مديرو صناديق وشركات صرافة إيرانية لـ«أرقام»، إن المستثمرين الإيرانيين يتجهون نحو التحوط من انتخاب ترامب عبر دولرة الأصول المملوكة لهم ما يمكن أن يعطي تفسيراً للهبوط الحاد في سعر الريال الإيراني مقابل الدولار.

وفقد الريال الإيراني نحو 20 في المئة من قيمته أمام الدولار منذ انتخاب دونالد ترامب بعد أشهر من الاستقرار في مقابل العملة الأميركية مع مؤشرات على تدفق الاستثمارات الأجنبية في البلد الذي أنهكته العقوبات.

وبلغ سعر الريال الاثنين الماضي 41500 أمام الدولار، بانخفاض 250 ريالاً عن مستواه الأدنى المسجل يوم الأحد، مما يعني توسيع الفجوة بين السعر الحر والسعر الرسمي، الذي لا يزال مثبتاً قرب 32300 ريال تقريباً للدولار الواحد.

ويرى محللون في مجالي الاقتصاد والسياسة أن عداء الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الصريح تجاه إيران ربما يضر بالاقتصاد البالغ حجمه نحو 400 مليار دولار وفقاً لتقديرات البنك الدولي.

وقالت سحر باجهاري، مديرة صندوق استثماري في «فيورز آسيا»، لـ»أرقام»،»منذ انتخاب دونالد ترامب هناك حالة من عدم اليقين في أوساط المستثمرين... فالتدفقات النقدية في أسواق الأسهم وأدوات الدين بدأت تتراجع إلى مستويات قريبة من أوقات العقوبات المفروضة علينا».

وتدير «فيورز آسيا» صناديق استثمارية تقدر بنحو 500 مليون دولار بحسب الموقع الإلكتروني للشركة التي تتخذ من طهران مقراً لها.

وتتابع باجهاري: «الكل ينظر بعين الحيطة والحذر لما قد تسفر عنه الأمور»، مضيفة أن انخفاض قيمة العملة في ذلك التوقيت أمر بديهي للغاية فالدولرة في أوقات الأزمات السياسية أمر متعارف عليه في إيران.

ترقب الاستثمارات

وتشير بيانات منشورة على موقع بورصة طهران إلى هبوط الاستثمارات الأجنبية في سوق الأسهم بنحو 21 في المئة الشهر الماضي دون توضيح المزيد من المعطيات حول حجم الاستثمارات الأجنبية في سوق الأسهم.

وقبيل فرض العقوبات على إيران، كانت العملة الإيرانية تحوم حول مستويات 10 آلاف ريال للدولار الواحد قبل أن تهبط بشدة بعد تطبيق العقوبات في 2012 إلى مستويات 35 ألف ريال.

وغضّ البنك المركزي الإيراني الطرف عن التدخل في سوق العملة خلال تلك الفترة مع ندرة الموارد الدولارية المتاحة.

ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة إلى سيسليا جلين، التي تدير صندوقاً استثمارياً تابعاً لـ»وود رووك»، الذي عمد إلى ضخ استثمارات في سوق الأسهم والديون الإيرانية في الفترة التي تلت العقوبات.

وأشارت جلين لـ»ارقام»: «نتريث الآن قدر الإمكان قبل ضخ المزيد من الاستثمارات... ففي حالة انهيار الاتفاق النووي ستكون هناك صعوبات كبيرة بالنسبة للمستثمرين الأجانب في إيران بوجه عام».

وبعد فرض العقوبات على إيران قبل عدة أعوام من الآن، علق عشرات المستثمرين الأجانب أعمالهم داخل السوق الإيراني ولم يتمكنوا من تحويل أموالهم مع غياب البنوك الأجنبية من المشهد الإيراني بصورة تامة.

وتتابع «جلين»: انخفاض العملة الإيرانية في ذلك التوقيت هو انعكاس واضح لحالة من المخاوف التي تنتاب المستثمرين بشكل أو بآخر بعد انتخاب دونالد ترامب.

ويغذي انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة مخاوف المستثمرين في مجالات عدة منها الشأن الإيراني مع توقعات بتحول جذري في السياسات الأميركية.

وقال محمدي العلي، مدير إحدى شركات الصرافة وسط العاصمة الإيرانية لـ»أرقام»: «هناك إقبال منقطع النظير على شراء الدولار بالوقت الحالي... هناك حالة من القلق لدى المواطنين العاديين في الشارع لكن الآمال كلها معلقة على المجهودات، التي تبذلها طهران للحفاظ على هذا الاتفاق... الجميع يستعد لمرحلة جديدة من النمو الاقتصادي».

ويتوقع البنك الدولي في تقرير صدر في أكتوبر الماضي، أن يبلغ معدل النمو للاقتصاد الإيراني نحو 4.5-5 في المئة في الفترة بين 2016-2018 على أن تسهم الاستثمارات الأجنبية بالنصيب الأكبر في هذا النمو.

دور السياسة

وفي أروقة السياسة تبدو الأمور أكثر تعقيداً، إذ يتبادل الطرف الإيراني التصريحات العدائية مع ترامب حتى قبل توليه مقاليد الأمور بصورة رسمية.

وقال فالتر بوش، الخبير بالشؤون الإيرانية في معهد الدراسات السياسية والأمنية في برلين لـ«أرقام»: «التصريحات العدائية المتبادلة تعطي صورة واضحة لما قد تؤول إليه الأمور... الطرف الإيراني يدرك خطورة الموقف ويعلم جيداً أن القادم سيكون شديد الصعوبة إذا ما انهار هذا الاتفاق».

ووصف رئيس الأركان الإيراني في وقت سابق من الشهر الماضي تصريحات دونالد ترامب حيال إيران بـ»غير المسؤولة» في علامة على توتر محتمل بين الدولتين.

ويضيف بوش: «دعنا ننتظر ما قد تسفر عنه الأمور... ولكن التوقعات المستقبلية تبقى غامضة فيما يتعلق بإيران على وجه التحديد».

وقال باول سيليفيان أستاذ الاقتصاد في جامعة جورج تاون الأميركية ومتخصص بالشؤون الإيرانية لـ»أرقام»،»هناك اعتقاد سائد لدى الكثير من رجال السياسة بأن رياح تغير وجه السياسة الخارجية الأميركية ستهب على إيران أولاً... ربما هناك بعض الاندفاع من الإدارة الجديدة أو تصريحات خلقت هذا الإحساس، لكن المؤكد أن الأمور ستتغير».

ويتابع سيليفيان في إفادته، «من واقع خبرتي في الشأن الإيراني، فإن الحكومة هناك تأخذ في عين الاعتبار التصريحات الانتخابية، التي لا يتم تنفيذ الكثير منها.. ولكن هذا لا ينفي فرضية تخوفهم مما قد تؤول إليه الأمور إذا ما هدم ترامب الاتفاق، فرجال السياسة في طهران يعتقدون في قرارة أنفسهم أنهم قدموا التضحيات اللازمة من أجل إنقاذ اقتصاد بلادهم.. وسوف يسوؤهم الأمر كثيراً إذا ما اضطربت الأمور».

ويختتم «من خلال اطلاعي على الملف الإيراني لسنوات طويلة وخصوصاً الاقتصاد مع الأخذ في الاعتبار أن رأس المال جبان بطبعه... فغموض المشهد السياسي سيلقي بظلاله بكل تأكيد على المشهد الاقتصادي للبلد الفارسي».

ومن المنتظر أن تكشف الأيام القادمة مزيداً من التطورات، وسيظهر تحرك الريال ما إذا كان انخفاضه القياسي الحالي «مؤقتاً» مع نهاية العام أم أن الطلب عليه كملاذ آمن مع قلق حول أوضاع مستقبلية غير واضحة المعالم سيدعم مزيداً من الهبوط.