أكرر مضمون موضوع سبق أن تطرقت له في أكثر من مناسبة لوجود مجلس جديد وحكومة جديدة، لعل وعسى أن تحظى الفكرة بالاستيعاب والقبول المطلوب، وقد دفعني لإعادة مضمون ما كتبت سابقا اليوم الحكم الصادر على السيد عبدالحميد دشتي الذي أراه، وقبل البدء، من أسوأ النماذج النيابية التي مرت على الكويت على الإطلاق.فقد تراكمت عقوبة السجن على خلفية رأي (ولا أناقش في هذا المقال الرأي المطروح) لتصل إلى 42 عاما كاملة، ولم تنتهِ القضايا المرفوعة ضده إلى الآن، وقد تصل عقوباتها إلى نصف قرن أو أكثر.
أتكلم اليوم عن تهمة وجهت إلى الكثيرين، وأدين فيها عدد من الناس، وقد تستخدم اليوم وغدا ما لم تواجه تلك التهمة بحزم حتى إن استلزم الأمر إصدار تشريع بذلك، وهي تهمة الإضرار بالعلاقات مع الدول الصديقة.الإضرار بالعلاقات مع الدول بات سلاحاً تستخدمه الدولة بمبادرة منها أو نتيجة لامتعاض بعض الدول الشقيقة والصديقة من آراء تطرح داخل الكويت أو من مواطنين كويتيين تجاههم، وهو أمر جديد على الكويت والكويتيين.فقد جُبل الكويتيون على التعبير الطبيعي عن آرائهم في مختلف المواضيع بهامش حرية كبير جدا على الأقل على المستوى الإقليمي، ولعل آخر تلك التعابير تمثلت بالاعتصام أمام السفارة الروسية، وهي دولة صديقة حسب أعراف الكويت الدبلوماسية، بل إن الكويت لا يوجد في قائمتها دولة غير صديقة أصلا باستثناء الكيان الصهيوني الذي لا نعترف فيه كدولة في المقام الأول. إن ذريعة الإضرار بالعلاقات مع الدول الصديقة والشقيقة، وتحولها إلى تهمة يعاقب عليها القانون، كفيلان بأن يزجا بالآلاف ممن اعتصموا أمام السفارة الروسية بالسجن في حال اشتكت روسيا عليهم لدى الحكومة الكويتية أو أبدت امتعاضها فقط من الاعتصام. وعدم وجود رفض شعبي وبرلماني لهذه النوعية من التهم، وأكرر حتى لو استلزم الأمر إصدار تشريع واضح يحمي التعبير عن الآراء ولا يعتبره موقفا رسميا من الدولة يضر بالعلاقات، سيجعل هذه التهمة سيفا مصلتاً على رقاب الجميع دون استثناء، فالقبول بهذه التهمة اليوم لأنها وجهت لمن نخالفهم الرأي سيجعلنا نقبل مرغمين التهمة نفسها إن وجهت إلينا أو من يمثل أفكارنا مستقبلاً، وهو ما حدث في السابق وسيحدث مستقبلا، فقد وجهت تهمة الإضرار لصالح الملا ومبارك الدويلة وحمد النقي ومسلم البراك وعبدالحميد دشتي وغيرهم، وستوجه للآخرين مستقبلا، وقد يقضون سنوات بالسجن لعدم إعجابهم بسياسة دولة صديقة أو شقيقة.الإضرار بالعلاقات حسب المفهوم المنطقي والطبيعي هو أن يقوم مسؤول تنفيذي بالدولة ( وزير– سفير– دبلوماسي– رئيس وزراء) بفعل أو قول سيئ تجاه دولة صديقة، ولا يمكن أن ندرج الآراء الخاصة الصادرة من الرأي العام (كتّاب– مذيعون– مفكرون– نواب) تحت خانة الإضرار لمجرد عدم إعجابهم ونقدهم، حتى إن كان بذيئا تجاه أي دولة، هذا هو الطبيعي وهذا هو المطلوب.
ضمن نطاق التغطية:
لمن تخندق بعد قراءة اسم عبدالحميد دشتي في المقال، إن القبول بمثل هذه التهمة يعني القبول أيضا بأن تتحرك إيران وسورية والعراق لمطالبة الكويت بملاحقة من يشتمها باعتبار أنها دول صديقة حسب أعرافنا الدبلوماسية، فأنا لا أتكلم عن حالة واحدة فقط بل عن فكرة سيئة قائمة.