تتجاهل كل الأطراف المناهضة لأميركا في العراق، منذ أيام، تصريحات ومعلومات متتابعة تفيد بأن جنود الولايات المتحدة وفرنسا بدأوا «يندمجون بكثافة» مع القوات العراقية لأول مرة في معركة الموصل، وتؤدي مثل هذه التحركات في العادة الى ضجة سياسية ومزايدات بين القوى المقربة على طهران، تدين «تدخل» أميركا وتحرج رئيس الحكومة حيدر العبادي، لكن عوامل خارجية وداخلية جعلت الجميع ينشغل بقضايا أخرى.

ويكافح الجيش العراقي منذ شهرين لاستعادة الموصل من تنظيم «داعش» وهي أكبر المعارك العراقية منذ سقوط نظام صدام قبل 13 عاما، إلا أن 25 في المئة من المدينة التاريخية فقط قد تحرر، إذ يبدي «داعش» صمودا هائلا ويتخذ من مليون مدني دروعا بشرية تمنع الجيش من استخدام نيران كثيفة.

Ad

ويبدو أن ذلك أجبر بغداد على الاستعانة بنحو خمسة الآف جندي أميركي يشكلون فرقا خاصة لدعم قوات النخبة العراقية في حرب الشوارع المكلفة، الى جانب مدفعية فرنسية وطائرات بلا طيار لجمع المعلومات وضرب الأهداف الصعبة، كما يتوقع الجيش أن تدخل مروحيات الأباتشي المعركة في أي لحظة ضمن تطور متسارع قد يؤدي الى استعادة النصف الأيسر من الموصل قريبا جدا.

ولا تمثل مشاركة الجيش الأميركي مجرد دور عسكري تخشاه طهران وحلفاؤها، بل يعني هذا أن آلاف الجنود من التحالف الدولي سيكون لهم دور في صوغ المرحلة الأمنية والسياسية بعد «داعش»، وهو أمر يفزع متشددي الشيعة لكنهم ظلوا صامتين بلا تعليق، ما يفسره المراقبون بأنه ذو صلة بالتوافقات الروسية الأميركية بعد معارك حلب، وأيضا لانشغال الجميع بمعركة سياسية وشيكة بين رئيس الحكومة السابق نوري المالكي وخلفه حيدر العبادي اللذين ينتميان لحزب واحد منقسم عمليا أيما انقسام بسبب صراعهما على القيادة والنفوذ.

وبدلا من أن ينشغل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بانتقاد الدور الأميركي في الموصل، وهو أمر كان سيحرج حيدر العبادي كثيرا، فإن الصدر هرع الى بغداد في زيارة مفاجئة داعما له ضد المالكي الذي يريد أن يؤسس قائمة انتخابية لإقتراع 2018 بالتحالف مع ميليشيا الحشد الشعبي وساسة سنة متهمين بالفساد، في حين يحاول العبادي أن يقترب من النجف ومعتدلي الشيعة ليضم أطرافا سنية متوازنة نسبيا، غير أنه بقي طوال ثمانية أشهر قلقا من مقتدى الصدر الذي هدد بإسقاط الحكومة واقتحم أنصاره البرلمان ومجلس الوزراء.

تحركات المالكي

إلا أن تحركات المالكي وهو غريم تقليدي للصدر جعلت الأخير يسارع الى دعم العبادي متناسيا الخلافات ومتعهدا بوقف الحروب الكلامية وربما تأجيل التظاهرات، والتركيز على النصر في الموصل، ما يعني ضمنيا أنه سيتغاضى عن استعانة بغداد بالقوات الأميركية.

وتشهد الانتخابات النيابية المقبلة متغيرين رئيسين، فلأول مرة سيتاح لقادة ميليشيا الحشد أن يترشحوا للانتخابات رغم أن القانون يمنعهم من ذلك ويضطرهم لتكييفات ومراوغات، وهذا أمر يفزع معتدلي الشيعة وحلفاءهم، والمتغير الثاني هو أن حزب الدعوة سيدخل الانتخابات منقسما لأول مرة بين المالكي والعبادي وبنحو عنيف قد يؤدي الى خسارتهما الكثير من الرصيد الجماهيري ويجعل مستقبل الحزب ذي الـ67 عاما، أمام اسئلة هي الأخطر في تاريخه.

الصدر والتسوية

إلى ذلك، شدد زعيم التيار الصدري على ضرورة أن تكون «التسوية التاريخية» مجتمعية ومع أناس معتدلين لا تسوية سياسية.

وقال الصدر، خلال مؤتمر صحافي عقده بمقر نقابة الصحافيين في بغداد أمس، إن «التسوية يجب ألا تكون سياسية بل مجتمعية»، مشدداً على ضرورة أن «تكون مع أناس معتدلين لا مع متورطين بدماء العراقيين»، مضيفا: «تطبيق الإصلاحات يحتاج إلى وقت، خصوصاً أن جيشنا الباسل يقاتل في الموصل».

خطف صحافية

وغداة إعلان وزارة الداخلية إقدام ثمانية مسلحين مجهولين على اختطاف الصحافية أفراح القيسي من منزلها في السيدية جنوب بغداد، وجه رئيس الوزراء حيدر العبادي، أمس، «الأجهزة الأمنية للكشف الفوري عن ملابسات الحادثة وبذل أقصى الجهود من أجل إنقاذ حياة القيسي والحفاظ على سلامتها»، مطالباً «بملاحقة أي جهة يثبت تورطها بارتكاب هذه الجريمة واستهداف أمن المواطنين وترهيب الصحافيين».

في غضون ذلك، أعلنت منظمة هيومن رايتس ووتش، أمس، أن «داعش»، أعدم ميدانياً 13 شخصاً من بينهم صبيان، إثر انتفاضة بقريتين في 17 أكتوبر الماضي، مع انطلاق عملية استعادة مدينة الموصل، موضحة أن «العمليات التي تشكل جرائم حرب، وقعت في قريتي الحود واللزاكة المتجاورتين جنوب الموصل، إثر محاولات محلية لطرد مقاتلي داعش من القريتين».