الوعد الاقتصادي ببنية تحتية ذكية مناخياً
نتج عن العولمة خلال العقود القليلة الماضية فترةٌ لا نظير لها من النمو الاقتصادي، ساعدت في التقليل من انعدام المساواة العالمي، وخلقت فرصاً جديدة للتنمية الاقتصادية، فأُنقذ نحو 1.1 مليار إنسان من براثن الفقر المدقع منذ سنة 1990؛ مما خفض من نسبتهم مقارنة بسكان العالم من 35 في المئة إلى أقل من 10 في المئة، طبقاً لأحدث التقديرات. لكن الفوائد التي لا يمكن إنكارها للعولمة لم يتم تقاسمها عالمياً؛ مما أدى إلى تصاعد الدعوات للحمائية في بعض البلدان، لكن إقامة الحواجز وإحاطة البلدان بالأسوار ليستا الوسيلة لمساعدة الناس الذين لم يستفيدوا من العولمة بمن في ذلك أولئك الذين تأثروا بالتغيرات التقنية التي تجعل العالم أكثر ترابطاً.يجب على قادة العالم أن يعملوا على الترويج بشكل أفضل للعولمة، وهذا يعني تطوير سياسات تطلق بشكل كامل إمكانات العولمة بالنسبة إلى الاقتصادات المتقدمة، مع استكشاف أبعاد جديدة يمكن أن تجعل العالم أكثر أمناً وإنصافاً، وإن أحد الأبعاد الممكنة هو توسيع الاستثمار في البنية التحتية عبر الحدود، وخصوصاً في البلدان النامية.
إن الاستثمار في البنية التحتية -مع الاستثمار في رأس المال البشري- هو طريقة فعالة للترويج لنمو شامل وتعزيز الصلابة والمرونة المحلية في مواجهة الصدمات العالمية.ونظراً للنمو البطيء في الاقتصادات المتقدمة –الذي انعكس في معدلات فائدة منخفضة تاريخياً وتناقص التجارة– فإن هناك حاجة لمصادر عالمية جديدة للديناميكية، وإن انخفاض تكاليف الاقتراض في جميع الاقتصادات المتقدمة الرئيسية هو بشكل عام نتيجة لمدخرات السكان الأكبر سناً بسبب شيخوخة السكان هناك، إضافة إلى التخفيضات في كثافة رأس المال بسبب التغير التقني، حيث خفض كلا العاملين من الطلب الكلي، وإن نقص فرص الاستثمار المجدية يقلل من الثقة بالنمو المستقبلي، كما يزيد من انخفاض النشاط الاقتصادي.وإن استثمارات البنية التحتية بما في ذلك عبر الحدود يمكن أن تساعد العالم في التعامل مع انعدام التوازن في الاقتصاد الكلي بين المدخرات والاستثمار، وإن تعزيز البنية التحتية الذكية مناخياً على وجه الخصوص سيخفض من مساهمة الكربون في النمو الاقتصادي، في حين يزيد في الوقت نفسه من الإنتاجية العالمية، ويخلق روافد الدخل على المدى الطويل للمستثمرين في المجتمعات التي تتزايد فيها شيخوخة السكان. إن مثل تلك الاستثمارات ستعمل على تحسين النظرة الاقتصادية، وتخفض مخاطر التغير المناخي، كما يمكن أن تساعد كذلك في تعزيز الثقة وزيادة الطلب الإجمالي في البلدان المستثمرة على المدى القصير، حتى لو كان بناء أصول البنية التحتية تلك يستغرق بعض الوقت.لكن الاستثمار في البنية التحتية ينطوي على مخاطر كبيرة، وخصوصاً لو تم تنفيذها في أماكن بعيدة، وأحيانا هذه المخاطر أكثر حدة بكثير مما قد يقبله المدخرون من المسنين، ونحن في مجموعة البنك الدولي نساعد من أجل جسر هذه الهوة بين المخاطر التي ينطوي عليها الاستثمار في البنية التحتية وشهية المستثمرين للمخاطر بعدة طرق. بادئ ذي بدء تساعد مجموعة البنك الدولي في تطوير بيئة قانونية مواتية وإعداد المشاريع وتخفيض العوائق المعلوماتية الحالية، وهناك حوار دائم مع الدول الأعضاء، وإن مؤسسة البنية التحتية العالمية تعمل على تطوير مشاريع بنية تحتية أُعدت بشكل جيد وجاهزة للاستثمار، كما عملنا أخيراً مقياساً لتقييم البيئة من أجل الشراكات بين القطاعين العام والخاص في 82 بلداً.وإن مجموعة البنك الدولي تعمل على جعل مجموعة من الضمانات التي نقدمها، على مستويات المشروع والمحفظة، أكثر وضوحاً وقابلية للفهم؛ مما يساعد في زيادة عرض الأصول الآمنة مع عوائد إيجابية، كما نخلق فرصاً للمستثمرين المؤسساتيين للعمل مع مؤسسة التمويل العالمية التابعة لنا ذات التوجه القائم على القطاع الخاص، وذلك من خلال برنامج المحفظة المشتركة للإقراض من أجل البنية التحتية، وعدة صناديق بإدارة شركة إدارة أصول مؤسسة التمويل العالمية.أخيراً، نحن ندعم تنمية أسواق رؤوس الأموال المحلية والمستثمرين المؤسساتيين من أجل حشد الموارد المحلية، وجعل الاستثمار الأجنبي أسهل، وإن المزيد من الابتكار قد يتضمن تطوير الأدوات مثل مؤشرات البنية التحتية للدخل الثابت، وسندات بنية تحتية للأسواق الناشئة، إضافة إلى تعزيز إعادة تدوير الأصول في الدفاتر الحكومية. إن الاستثمار في البنية التحتية، بشكل عام، ليس بالضرورة أكثر مخاطرة من الأصول التقليدية، نظراً لوجود قدرة أكبر على استرداد الموجودات وتقلبات أقل في العائد، بما في ذلك في الأسواق الناشئة، وإن تزايد الأدلة على هذا يشجع الجهات التنظيمية على النظر في رسوم أكثر مرونة على رؤوس الأموال المتعلقة بتلك الأصول، وخصوصاً المشاريع التي تحظى بضمانات من المؤسسات متعددة الأطراف، وإن مثل هذا الدعم قد يساعد في توسعة نطاق الأصول المؤهلة للمستثمرين المؤسساتيين المحليين والدوليين.والحشد الناجح لرأس المال الخاص على نطاق واسع قد يتطلب موارد عامة لدعم تقليل المخاطر. ونظراً للتأثير الاقتصادي الإيجابي والمساهمة في المعركة ضد التغير المناخي والفقر والمكتسبات المحتملة في الإنتاجية المرتبطة بالحشد؛ فإن استخدام الموارد العامة، على سبيل المثال، لدعم توفير المزيد من الضمانات للمؤسسات المالية متعددة الأطراف يمكن أن يكون فعالاً جداً.لقد حان الوقت للتفكير بشكل خلاق، واستخدام الاستثمار في البنية التحتية «الذكية مناخياً» كطريقة لتجديد الأجندة المتعلقة بالعولمة، ولو تمكنا من تحقيق ذلك فإننا سنستطيع أن نساعد في تعزيز النمو الاقتصادي المحتمل، من دون الضغط على كوكبنا بما هو أكثر من طاقته، وتعزيز الازدهار المشترك، والاقتراب من هدف القضاء على الفقر المدقع حول العالم.جواكيم ليفي** وزير مالية سابق للبرازيل (2015-2016 ) وحالياً هو المدير العام والمسؤول المالي في مجموعة البنك الدولي في واشنطن.«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»