المتمسكون بالأمل رغم عتمة اللوحة، الذين تفرح قلوبهم عندما تقع بين أيديهم "صورة تذكارية" من تحت الأنقاض لا تزال محتفظة بكامل أناقة بروازها، برغم الدمار والخراب، ورائحة الدم الطازج، وصراخ الأطفال والنداءات المصحوبة بالذعر، فإن كل ذلك لم ينل من وجه تلك الصورة سوى بتكديس الغبار الذي زال من أول نفخة!

أيكونون قد تمادوا بالأمل إن رأوا في بقاء تلك الصورة وهي بكامل عافيتها رسالة مضيئة موجهة لكل من عاشها أو رآها مفادها: "إذا كان الزجاج قادرا على النجاة، فأنت يمكنك ذلك"، وكان ذلك كافيا لإفاقة العزيمة فيهم من غيبوبتها؟!

Ad

أيكونون أمعنوا في ضلال أنفسهم، حينما رفضوا رفضا قاطعا أن تلبس أرواحهم ثياب الحداد وتجلس في صالون اليأس، ثم لا تغادر صالون العزاء ذاك ما تبقى من الحياة، تتناوب قهوة الحزن السوداء، وتنفث دخان الأسى؟!

هؤلاء المتمسكون بالأمل...

المبشّرون بصبح حتما... آتٍ، رغم الظلمة التي تلتهم ثيابهم شبراً بعد آخر، الباحثون بمنظارهم عن رائحة مرفأ، في سفينة غرق أنفها بالملح، هل يرتكبون خطيئة باتباعهم حادي الأمل بإيمان مطلق بأنه لن يخطئ الطريق؟!

هل هم آثمون؟!

هل الإيمان المطلق بالأمل، من خلال النظر بإيجابية لأصغر جمال في صورة تغص بالبشاعة، هل ذلك إيجابي؟! أم أن ذاك داء مستتر؟!

إن الإيمان المطلق بالأمل يعزلنا عن كل ما هو سلبي في الصورة، وكأنما يحصّن أرواحنا من التأثر والأذى، وربما الانهيار، ثم يحثنا على البحث عن ثمة شيء جيد فيها، والتركيز عليه، ما يولّد قطعاً طاقة إيجابية في الروح، لكن ما الذي يجعلنا على يقين بأن هذا العازل مع مرور الوقت لن يصبح عازلاً أبدياً عن الحياة الواقعية؟! نرى تفاصيلها بأعيننا، فيما قلوبنا عمياء عمّا لا يروق لها من تلك التفاصيل، ولا يمكنها أن تتفاعل معها أو تتأثر بما يدعو لليأس منها، أليس في ذلك سرقة لشيء من روحنا الإنسانية التي فُطرت على الفرح بكل ما هو جيد، والحزن لكل ما هو سيئ؟! إن الإيمان المطلق بالأمل يسرق نصف إنسانيتنا، إنه يجعل المرء يعيش في "اكواريوم" في ساحة الحياة، يرى كل شيء بأم عينيه، لكنه لا يحسه.

ما الحل إذن؟! هل نفقد إيماننا بالأمل؟! باعتقادي لا يجب علينا فعل ذلك، وإلا وجدنا أنفسنا في الصفوف الأمامية في صالون العزاء الآنف ذكره، لكن علينا أن نختبر أيماننا بالأمل هذا دائما، علينا أن نتأكد أننا لسنا في حوض الزينة، إنما خارجه، علينا أن نتأكد بين الحين والآخر أن مشاعرنا السلبية بخير، وأننا نحزن، نغضب، نبكي، نيأس، علينا أن نتأكد من سلامة سوداويتنا، لنطمئن بأننا قادرون على التفاعل مع بؤس الحياة.

إذا أردنا أن نحافظ على طاقتنا الإيجابية بإبقاء شمعة الأمل مضيئة في داخلنا ما حيينا، فإننا نحتاج لليأس أن يهزنا من حين لآخر.