ماذا يمثل لك فوزك بجائزة مؤسسة «الفكر العربي» في دورتها الـ15 عن روايتك الأخيرة «إيقاع»؟

Ad

أعتبر الجائزة محطة مهمة في حياتي، وكل كاتب يتمنى أن تنال كتابته التقدير اللائق بها، ومن حسن حظي أن هذا حدث لي بعد مضي 20 عاماً من بدء الكتابة فقط. لكنها ليست نهاية المطاف، فالجائزة تحفزني على المضي، ومواصلة حفر طريقي.

يرى الناقد الدكتور صلاح فضل في «إيقاع» أنك امتلكت طاقة سردية للغة جسدت من خلالها العوالم المتشابكة لروايتك. كيف لجأت إلى هذه التقنية؟

لجأت إلى تقنية العوالم المتشابكة لأنني كنت أرغب في منح الجميع أصواتاً كي تعبر كل شخصية عن نفسها. عشنا سنوات تنافرت فيها الأصوات، وصار لكل منا رأيه، وبالتالي أصبح من حق الكل أن يكتب، ويعبر، وينتقد، ويهاجم، ويطرح أفكاره، في موضوع شائك، ويتناوله من وجهة نظره. لذا رأيت أن أفضل أسلوب لكتابة «إيقاع» عبر تعدد الرواة، وليس أسلوب الراوي العليم، أو الراوي بضمير المتكلم.

تناولت الرواية التغيرات السياسية في مصر قبل ثورة يناير وبعدها. ألم تخش الاختلافات وتعدد الرؤى وضيق الوقت في تدقيق الأحداث؟

لم أضع في حساباتي إلا تدقيق المعلومات. ومن المهم لكتّاب الرواية أن ينتبهوا إلى ما يجمعونه من معلومات، ومقتنيات، فالرواية مثل المتحف، يمكنك أن تضمّنتها أشياء متجانسة صالحة للعرض المتحفي، تستحق أن توضع في واجهات زجاجية، ويُسلط عليها الضوء. أقصد هنا بالحكايات، الرئيسة منها والفرعية، الشخصيات والعادات وأسماء الشوارع والأحداث العتيقة والوقائع العجيبة. بالإضافة إلى ذلك، كان ما يشغلني ليس وجهات النظر في الثورة بل ما تحمله شخصيات الرواية. «جوجو» مثلاً مطرب المهرجانات ويرمز إلى الجيل الجديد من الشباب الذي حاول التغيير، لكنه خسر كل شيء. حاول أن يثور بطريقته بالبحث بنفسه عن حبيبته التي اختطفت، وحاول أن يثور ضد الطائفية التي طاردته، وتصدت له بينما يحاول أن يغني، لكنه في النهاية فشل، أو فشلت ثورته، ليس لأنه ضعيف، أو أن إرادته لم تتحقق، بل لأن من الطبيعي أن تفشل الثورات إذا قام بها المثاليون، وجوجو كان مثالياً في ثورته، لكنه وجد في النهاية طريقه إلى ما يحبه، وهو فنه.

يؤدي المكان دوراً مهماً في روايتك. كيف تعمل على سبر أغواره بنصك الأدبي والكشف عن مكامنه؟

أنا مولع بالأماكن، وبالتقاط تفاصيل الأحياء، وأسماء الشوارع. في روايتي «إيقاع وخنادق العذراوات»، انطلقت من منطقة بين السرايات، حيث الفضاء المكاني غير المكتشف من الروائيين والساردين لحسن الحظ. اعتدت اكتشاف البقعة الأثيرة لدي في «إيقاع»، بعدما سلطت قليلاً من الضوء عليها بمساعدة عالم الآثار الألماني رالف بودينشتاين الذي مدّني بخرائط قديمة للمنطقة قبل وضعها الراهن، فعرفت لماذا سميت بـ «بين السرايات» فانطلقت لكتابة القصة كما وردت.

تبدو المشهدية واضحة بصورة كبيرة في الرواية. هل كانت عيناك على تحويلها إلى عمل سينمائي خلال الكتابة؟

على العكس. أعتقد أن السينما تركض وراء الأدب، وليس العكس. إذا كنت تقصدين بالمشهدية الاعتناء بتفاصيل التفاصيل في ما يتعلق بملابس الشخصيات، أو طريقة حديثها، أو الخروج إلى فضاءات أوسع تدور فيها الأحداث، فإن اعتنائي بذلك يرجع إلى أن الروائي لا يمكنه أبداً أن يسرد حكاية من دون أن يسهب في وصف مسرح الأحداث، وأسلوب حديث الأبطال، إن كانوا يرمشون مثلاً بطريقة معينة خلال الكلام، أو يتنهدون بينما يسمعون أخباراً سارة.

صحافة وصلاحية

يبدو تأثرك بروح عملك الصحافي في كتاباتك، إلا أنك ربما ابتعدت عن لغة الصحافة المباشرة.

ليس ربما، بل الأكيد إنني حينما أكتب الأدب لا أستخدم أبداً لغة الصحافة الجافة، والتقريرية، والمعنية بتقديم الخبر، أو المعلومات المتراصة. كل ما تعلّمته من عملي الصحافي أنني يجب أن أبحث عن معلومات، وعن أصل الأمور في الموضوع الذي أكتب عنه.

صرحت بأن الجدل المثار حول مدى صلاحية الواقع للكتابة حوله، يجعلك تنظر إلى الأصدقاء الذين يصفون الواقع بـ{مُنتهي الصلاحية» على أنهم «بقالون» يتحدّثون عن بضائع، وليسوا أدباء أو فنانين؟

كنت أتحدث عن استحالة أن تكون الكتابة الواقعية منتهية الصلاحية، لأنها ليست منتجاً يفسد بمرور الزمن، ولن يتخطاها التطور الأدبي. أولئك بقالون، ينظرون إلى أنواع الكتابة بوصفها منتجات حديثة، يجب أن تزيح القديم منها من على الأرفف. الحقيقة أن العالم يكتب الآن القصص الفانتازية ويتسابق في ذلك، وأرى أن الكتابة الواقعية كتلك التي يكتبها أورهان باموق، لم تزل قادرة على التقاط أنفاس المدن، وتفاصيلها، وحكايتها، وقصص المجتمعات، وتحولاتها. شخصياً، إنحاز إلى الكتابة الواقعية، وأرى أن بمقدورها أن تقف على قدم المساواة مع الكتابة الفانتازية، أو تلك التي يتكئ صاحبها على دفقة أكبر من الخيال، تتيح له السفر، والتنقل، والطيران، والسباحة في السماء.

أصدرت مجموعة قصصية واحدة وأربع روايات. هل تصدر الرواية لأن الزمن لصالحها، حسبما يعتقد البعض؟

لا أكتب الرواية لأن الزمن لها، فهو ليس كذلك وليس لأي فن آخر أيضاً. كتبت المجموعة القصصية «سبع محاولات للقفز فوق السور» منذ سنوات ولكنها لم تصدر إلا عام 2013، وأنا في صدد إصدار مجموعة قصصية قريباً. عموماً، أكتب والفكرة وهي تحدد الإطار أو القالب الذي توضع به.