«هناك نوعان من المشاكل في الحياة، المشاكل السياسية غير القابلة للحل، والمشاكل الاقتصادية العصية على الفهم».هكذا قال السير أليك دوغلاس-هوم، الذي تولى منصب رئيس وزراء المملكة المتحدة فترة قصيرة خلال الستينيات، غير أن السير هوم كان مخطئا تماما في قوله هذا، فعلى مدى الأعوام القليلة الماضية كان أسلوب حركة الأسواق المالية وظهور الأسعار السلبية بمنزلة تطور يختلف كليا عن أي شيء عهدناه في كتب تعليم الاقتصاد التقليدية.
وقال تقرير صادر عن «ساكسو بنك» إنه في المقابل، ولحسن الحظ، فإنه من المفترض بعام 2017 أن يثبت العودة إلى الحالة الطبيعية، وهو توجه بدأ مع نهاية العام الحالي، ويمثل بشرى إيجابية.
الخبر الجيد
في الوقت الراهن نقترب من نهاية حالة انخفاض معدلات الفائدة وأسعار النفط الرخيصة و«التضخم المنخفض» (lowflation)؛ حيث شهدنا منذ الصيف الماضي ارتفاعاً في توقعات التضخم للبلدان النامية، نتيجة ارتفاع أسعار السلع العالمية، إلى جانب تأكيد خروج الصين من وضع الانكماش. وقد وصل معدل التضخم في مجموعة السبعة الكبار بعد سنين من الهبوط إلى معدل وسطي عند 0.8 في المئة بحلول العام الحالي، وذلك قياساً بأدنى مستوى عند 0.35 في المئة في مايو من العام ذاته.الخبر السيئ الأول
الخبر السيئ الأول لعام 2017 هو أن الاقتصاد العالمي سيبقى عالقا في حالة من النمو البطيء لفترة أطول، ونشير مجددا إلى أن النمو سيكون دون متوسط المستوى الذي سبق الأزمة المالية في 2007-2008؛ حيث نشهد منذ عام 2011 تراجعا متواصلا لدور التجارة العالمية في الناتج المحلي الإجمالي للعالم (ومن المتوقع أن تبلغ مساهمتها 22 في المئة عن 2016، قياسا بالقمة عند 25 في المئة في 2008)، وهو ما يعتبر مبادرة تعكس تباطؤ النمو على المدى الطويل، والذي نلاحظ استمراره منذ الأزمة المالية العالمية.وعلى العموم تعاني أهم محركات الاقتصاد العالمي (الولايات المتحدة، والصين، وأوروبا) من مرحلة من التباطؤ حاليا، غير أنه من المستبعد أن نشهد أزمة جديدة خلال العام القادم، ولاسيما عند أخذ الدورات الاقتصادية ودورات عالم الأعمال في عين الاعتبار.ومن المفترض أن تؤدي جهود الولايات المتحدة المتواصلة لتطبيع أسعار الفائدة (والتي بدأت في ديسمبر 2015) إلى تأثير هامشي على الاقتصاد، ولكن من الصعب تخيل أن الشركات والعائلات ستغير سلوكها كنتيجة لارتفاع بمقدار نصف نقطة أو ثلاثة أرباع نقطة في أسعار الفائدة على المدى القصير. وحتى إن وصلت أسعار الفائدة إلى 1.5-2 في المئة بحلول نهاية 2017، فإنها ستبقى في مستويات متدنية بحسب المعايير التاريخية، سواء بشكل مطلق أو بالنسبة إلى التضخم، ولكن لا يمكن استبعاد احتمال أن يتبنى بنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي منهجية أكثر تشددا مما هو متوقع، بهدف موازنة التأثير الاقتصادي للدفعة المالية التي قرر الرئيس المنتخب ترامب تنفيذها، ففي هذه الحالة على السوق أن يتأقلم بسرعة مع هذا التغير في النزعة العامة.... والسيئ الثاني
يتمثل الخبر السيئ الثاني في تنامي قوة الدولار، نتيجة سياسات تطبيع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، وعملية إعادة التدوير التي تجريها الدول النامية على فائضها من الدولار الأميركي في السوق الأميركي؛ حيث يعتبر ازدياد قوة الدولار أبرز عوامل القلق بالنسبة للمستثمرين وصانعي القرار، لأنه يعني أن النمو الاقتصادي العالمي في طريقه نحو مزيد من التباطؤ. وأشارت دراسة صادرة عن الوزارة البريطانية للأعمال والابتكار والمهارات (BIS) في نوفمبر 2016 إلى أن «كل ارتفاع للدولار بمعدل نقطة مئوية واحدة (في المجمل) سيؤدي إلى هبوط بمقدار 49 نقطة أساس في معدل نمو الإقراض المصرفي العابر للحدود المحتسب بالدولار».ومن الواضح أن الدول الناشئة ستعاني أكثر من غيرها، ولاسيما تلك التي تعتمد بشكل كبير على التمويل الأجنبي، إذ ستكون عرضة لمستوى عال من المخاطر السياسية، وهذا سيكون حال تركيا على وجه الخصوص، وذلك لأن نظامها المالي يعتمد بشكل كبير على التمويل بالدولار، بحكم انخفاض مخزوناتها من العملة الأجنبية والوفورات المحلية، وارتفاع مديونيتها الخارجية من الناحية الأخرى. كما أن الليرة التركية قد تتعرض لمزيد من التقلبات خلال العام القادم كنتيجة للمخاطر المترتبة على قرار الحكومة الإمساك بزمام السياسات النقدية.