خلافات «مكافحة الفساد»... مؤشر سلبي وانحراف بالتخصصات
• تعثر أعمال الهيئة يعوق سياسات الإصلاح ويعطي صورة سلبية عن بداية انطلاقتها
• استقطاب السياسيين في خلافاتها يقوض أداء أعمالها المفترض
من المفترض أن تتولى هيئة مكافحة الفساد العديد من الاختصاصات الجديدة في الكويت مثل الذمة المالية أو حماية المبلّغين أو تطبيق اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، ومن ثم فإن حماية هذه الهيئة من الخلافات والتدخلات والعمل على نجاحها مسؤولية حكومية مادام القانون قد نص على تبعيتها لوزير العدل.
يبدو أن الهيئة العامة لمكافحة الفساد ستقع بأسرع مما توقع المتشائمون في شرك مشكلات الإدارة العامة لتبتعد عن واجباتها المفترضة في قانون تأسيسها، مما ينذر بتعثر أعمالها، في وقت يضع الرأي العام مكافحة الفساد بصورة منهجية كأحد أهم متطلبات القبول بسياسات الإصلاح الاقتصادي التي تبنتها الحكومة.فبعد أن تجاوزت الهيئة إبطال إنشائها الأول من المحكمة الدستورية ليسقط مرسوم الضرورة رقم 24 لسنة 2012 جاءت الخلافات الإدارية بين الأمين العام ومجلس الأمناء وتلويح وزير العدل برفع كتاب عدم تعاون بين مجلس الأمناء إلى مجلس الوزراء، لتعصف بهذه الهيئة الوليدة، والتي تعثرت ما بين مرسومها الأول وخلافاتها الحالية ببطء صدور لائحتها التنفيذية المنظمة لأعمالها.
تحفظات وتبعية
ورغم التحفظات عن تبعية هيئة بهذه الأهمية لوزير العدل، إذ كان الأجدر أن تكون تبعيتها خارج صلاحيات السلطة التنفيذية كأن تتبع السلطة القضائية أو التشريعية مثل ديوان المحاسبة أو "أضعف الإيمان" تلحق بمسؤولية رئيس الوزراء مباشرة لتمارس أعمالها باستقلالية أكبر، فإن ما حدث فيها من خلافات يعطي مؤشرات سلبية جدا، أولها أن الخلافات الداخلية تعطي فرصة أكبر للتدخل السياسي السلبي في أعمالها، وهي التي يفترض أن تمارس أعمال الرقابة على الوزراء والنواب والقياديين في الدولة، ومن ثم فإن استقطاب السياسيين في خلافاتها سيقوض أداءها المفترض لأعمالها.أما ثاني المؤشرات السلبية، فهو تنامي المخاوف من أن تلقى هذه الهيئة المختصة بمكافحة أوجه الفساد المالي والإداري مصير هيئات أخرى أنشئت قبل سنوات كهيئة حماية المنافسة أو الصندوق الوطني للمشروعات الصغيرة والمتوسطة وشكلت عبئاً إدارياً ومالياً على الدولة دون أن تضيف أي جديد لمجال اختصاصها، والذي كان الهدف من إنشائه إعطاء الهيئة استقلالية وتخصصاً أكبر لممارسة النشاط المستهدف.اهتزاز الصورة
ومن السلبيات أيضاً ما يتلخص في اهتزاز صورة "الهيبة" لجهاز يفترض فيه أن يتبنى مكافحة الفساد، ومن ثم لا يليق به أن يُتّهم من الآخرين بالفساد الإداري أو على الأقل التجاوز في تطبيق القانون، وهو أمر يتحمله مجلس أمناء الهيئة الذي سيفوت بخلافاته الإدارية على البلد الأمل بوجود هيئة متخصصة في مكافحة الفساد، مع أن أعضاء هذا المجلس يفترض أنهم من أصحاب الخبرة، ولديهم من المناصب السابقة ما يجعل خلافاتهم الإدارية محط استغراب. وكان الأجدر بهم التعاطي مع أي مسألة بقدر أكبر من النضج والشعور بالمسؤولية، لئلا ينحرف عمل الهيئة في قضايا هي أقل من اختصاصاتها.معالجة بالترضيات
مع بداية تأسيس هيئة مكافحة الفساد كان التصور العام أن هذه الهيئة ستسجل انتصاراً ملموساً على صعيد إحدى قضايا الفساد الواضحة كقضية الإيداعات المليونية أو الحيازات الزراعية أو العلاج في الخارج، فضلاً عن المخالفات المالية التي تحفل بها تقارير ديوان المحاسبة، ولم يخطر على بال أحد أنها ستتعثر في خلافاتها الإدارية، خصوصا أن حل أي خلاف على هذا المستوى يكون في مجلس الوزراء الذي يمتلك رصيداً لا بأس به في سياسة "المعالجة بالترضيات"، بالضبط كما حدث قبل نحو عام ونصف العام في أزمة القطاع النفطي ما بين الوزير ومجلس إدارة مؤسسة البترول، إذ "عالج" مجلس الوزراء أزمة التعيينات في القطاع وقتها عبر زيادة عدد مقاعد مجلس إدارة المؤسسة من 9 إلى 16 عضواً دون أي حاجة فنية، ولكن فقط كي "لا يزعل أحد".لذلك، فالخوف اليوم أن تتكرس هذه العقلية في التعامل مع خلافات هيئة مكافحة الفساد، ويتم التعامل بسطحية مع هذه الهيئة المهمة مثلما تم التعامل مع القطاع المسؤول عن أكثر من 90 في المئة من إيرادات الدولة.اختصاصات وتحديات
من المفترض أن تتولى هيئة مكافحة الفساد العديد من الاختصاصات الجديدة في الكويت كالذمة المالية أو حماية المبلّغين أو تطبيق اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، ومن ثم فإن حماية هذه الهيئة من الخلافات والتدخلات، والعمل على نجاحها، مسؤولية حكومية مادام القانون قد نص على تبعيتها لوزير العدل، وعليه فإن الفشل في هذا الملف أو التعثر فيه سيعطي صورة سلبية لحكومة تسعى لتطبيق سياساتها في الإصلاح المالي والاقتصادي، الذي لا يستقيم أبداً مع التعثر في ملف مكافحة الفساد.لذلك، فإن تسويق سياسات كتقليص الدعوم أو إعادة تسعير الخدمات أو ضرائب القيمة المضافة، فضلاً عن الخصخصة وغيرها من سياسات الحكومة للإصلاح الاقتصادي والمالي، أمور ستصطدم بالتعثر في ملف معالجة أزمة هيئة مكافحة الفساد، وبالتالي سيكون للرافضين للسياسات التقشفية حجج أقوى في رفض أي قرارات جديدة ما لم ترتبط بسياسات منهجية في مكافحة الفساد.إن هيئة مهمة تتولى مسؤولية مكافحة الفساد عليها مسؤوليات كبيرة في التعامل مع مختلف القضايا الداخلة في اختصاصاتها، والأولى في بداية أعمالها أن تركز على مهنيتها وممارستها وقواعد أعمالها وعلاقاتها مع المؤسسات الأخرى لا أن تنشغل بخلافات معظمها إداري ستجعل منها واحدة من الهيئات ذات العناوين البراقة التي أنشئت وانطوى ذكرها بمجرد تأسيسها.
كان الأجدر أن تتبع الهيئة السلطة القضائية أو التشريعية أو «أضعف الإيمان» تلحق بمسؤولية رئيس الوزراء مباشرة لتمارس أعمالها باستقلالية أكبر