كفوا عن وخز الدب
قد تكون الأزمة الكبرى التي تواجه الولايات المتحدة والغرب غير ضرورية: التدهور الخطير في العلاقات مع روسيا، صحيح أن روسيا باتت بعيدة عن الخطر الذي شكّلته خلال الحرب الباردة، إلا أنها لا تزال تحتل مكانة بالغة الأهمية في قلب أوراسيا، شاغلةً حصناً استراتيجياً لا يمكن تجاهله. لطالما كانت روسيا ولا تزال خطراً محتملاً يهدد أوروبا، ويجب ألا ننسى هذا الواقع، لكن الأعمال الأكثر استفزازاً في هذه العلاقة في السنوات الأخيرة ارتكبتها أوروبا، حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والولايات المتحدة ضد روسيا، فقد توسّع الناتو، وهو حلف عسكري، حتى حدود روسيا، ونشر عناصر من ردع دفاع صاروخية في بولندا ورومانيا. كذلك راودت الناتو فكرة السماح لكل من جورجيا وأوكرانيا بالانضمام إلى هذا الحلف الغربي، علماً أن هذين البلدين يشكّلان تقليدياً جزءاً من مدار النفوذ الروسي، بالإضافة إلى ذلك أضعفت الولايات المتحدة الزعيم المنتخب ديمقراطياً في أوكرانيا لأن حكومته تميل إلى روسيا، وأقدمت على خطوات هدفها سحب أوكرانيا من المدار الروسي. وعندما ردت روسيا بتأمين القرم ومرفأها البالغ الأهمية، وقدمت الدعم العسكري للثوار في شرق أوكرانيا، الذين لا يريدون الانضمام إلى الغرب، فرضت عليها الولايات المتحدة وأوروبا عقوبات اقتصادية قاسية.من بين كل المرشحين الرئاسيين عام 2016، تبنى ترامب وحده وصفاً سياسياً يهدف إلى عكس توسّع الغرب المستفِز نحو الشرق، الحد من التوتر، واختبار نوايا روسيا الحقيقية.
على ترامب أولاً أن يبدأ بأوكرانيا، بلد له أهمية استراتيجية كبرى بالنسبة إلى روسيا، إنما عواقب استراتيجية محدودة بالنسبة إلى الولايات المتحدة. تعاني أوكرانيا انقساماً كبيراً مع ميل الأوكرانيين في المناطق الغربية نحو الغرب والأوكرانيين المتحدرين من الإثنية الروسية نحو الشرق، ونجحت روسيا في التعاطي مع هذا الوضع الدقيق طوال عقود، فلندعها تواصل ذلك، علاوة على ذلك يجب ألا نسمح لضم روسيا القرم بأن يفسد العلاقات بين هذه الدولة والغرب بما أن القرم شكّلت جزءاً من روسيا طوال قرون إلى أن اقتطعها اصطناعياً الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشوف. فضلاً عن ذلك ينتمي 1.5 مليون إلى 2.3 مليون شخص إلى الإثنية الروسية، فلتضمها روسيا ولنرفع العقوبات. ثانياً، يجب أن يطمئن الرئيس الأميركي روسيا إلى أن الغرب لا يملك أي خطط لأوكرانيا، وجورجيا، ومولدوفا، أو روسيا البيضاء، أو حتى أي أمة أخرى تتبع الطقوس المسيحية الأرثوذكسية، وأن الناتو لم يرسم أي خطط في هذا الشأن، لكن الغرب مستعد لخوض الحرب بغية منع تدخل روسيا في البلدان الأوروبية التي تتبع تقليدياً المسيحية الغربية، وخصوصاً دول البلطيق، لأنها تبقى جزءاً مهماً من مدار النفوذ الغربي.ثالثاً، ينبغي للرئيس أن يكفّ عن إصراره على رحيل الأسد في سورية، فعدونا "داعش" لا الأسد.رابعاً، من خلال هذه الجهود الدبلوماسية التي تهدف إلى التخفيف من مخاوف روسيا وغضبها من توسع الغرب شرقاً، يلزم أن تسعى الولايات المتحدة أيضاً إلى إبعاد روسيا عن تقربها الأخير من الصين، فلا تخدم العلاقات الروسية-الصينية المتينة المصالح الأميركية. تُعتبر الصين البلد الأكثر استعداداً وقوةً لتحدي دور الولايات المتحدة في العالم بإرغامها على الخروج من آسيا والعودة إلى حصنها الحدودي في هاواي، وإذا نما التوتر بين الصين والولايات المتحدة، كما يبدو مرجحاً خلال السنوات العشرين المقبلة، فمن غير الحكمة بالتأكيد (لا بل من التهور) أن تملك الولايات المتحدة علاقات عدائية مع روسيا أيضاً.إذاً، لنعطِ الدبلوماسية فرصة، ولننهِ الاستفزازات الغربية، ولنمنح الروس مجالاً للتنفس في محيطهم، وهكذا نتمكن من معرفة مدى ميلهم حقاً إلى التوسع والخطر الذي يشكّلونه، وإذا اتضح أنهم سيواصلون التهديد رغم كل هذه الخطوات التصالحية، تستطيع القوة الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، التعاطي بكل تأكيد مع وضع مماثل.روبرت ميري** «ناشونال إنترست»