في الدول المتقدمة تنشأ مراكز أبحاث ومراكز معلومات ومراكز قياس لآراء الناس، وتعيين متخصصين محايدين للقيام بهذه المهام، وتقوم الحكومات والبرلمانات والمهتمون بالشأن العام بمتابعة ما يصدر عن هذه المراكز للاستفادة منها في اتخاذ القرارات، وتحسين مستوى أداء الحكومة والمنظمات الرسمية وغير الرسمية في تقديم الخدمات، وفي تطوير الدولة بصفة عامة. إلا أننا نصر ألا نكون في صف هذه الدول، وتصر حكوماتنا أنها أبخص بأمور دنيانا وآخرتنا، وتصر أن نسكت وإن لم نسكت تسد آذانها وأعينها ولا تفتحها إلا لمجالس الأنس والنفاق؛ لذلك تظل حكوماتنا في واد والعالم في واد آخر، وإن حدث ما يقض مضاجعها وبهدد كيانها تلجأ إلى ميزانية الدولة لشراء الولاءات أو الدعم الخارجي لتهدئة النفس فترة، ولتقول للناس تعالوا انظروا إلى ذكائنا الذي يشتري كل شيء.
لو جمعنا ما كُتب وقيل في الكويت لإصلاح شأن البلد لوجدنا أطنانا من الكتب والمقالات ونتائج المؤتمرات والندوات، ولو كانت لدينا حكومة جادة في أي وقت منذ استقلال البلاد لوجدت حلولا لكل ما نعانيه حتى الآن، ولوفرت على نفسها ملايين الدنانير التي صرفت على جهات خارجية تأتي إلى الكويت وتجلس مع الناس وتأخذ آراءهم وتسجلها ثم تعدلها بما يمكنها من الاستمرار مع الحكومة، وهي سياسة معظم المستشارين الأجانب ومن يمثلهم في الكويت، ثم تقدمها للمسؤول الذي تعاقد معهم فيقوم هذا المسؤول ببحث ما يخصه ويفيده، ويخفي أصل الدراسة ويخرج للحكومة ما يدعم موقفه بغض النظر عما إذا كانت لمصلحة الكويت أم لا، وتضيع تلك الملايين هباء.الكويتيون لديهم الجرأة والإخلاص لتقديم الرأي الذي يفيد بلدهم ويحمي مقومات وجوده واستمراره، كما يحمي النظام والشعب من ويلات التأخر والتقهقر والتردد، وهم الأقدر والأفضل والأكثر حبا وولاء لبلدهم، ورغبة في تقدم هذا البلد، ولا يريدون مقابلا خاصا لآرائهم ولا مناصب: كل ما يريدونه هو أن تستمع لهم حكومتهم وأن تتقبل منهم إخلاصهم وأن ترى مغبة هذا التجاهل وتأثيرها على البلد ومستقبله.لو أرادت الحكومة لشكلت فريقا محايدا من مفكري هذا البلد وعلمائه ومحلليه السياسيين والاجتماعيين والاقتصاديين والتربويين، وطلبت منه جمع وتحليل كل الأفكار التي قدمها الكويتيون في مقالاتهم، وفي مؤتمراتهم وندواتهم وكتبهم، وقدموا خلاصة ما فيها من توصيات بكل ما يخدم تقدمها وتطورها في كل نواحي الحياة. كما يمكن تكليف فريق آخر بمتابعة ما تنشره مراكز البحث في الدول المتقدمة والدول الناهضة التي أصلحت من شأنها بعد هبوط، وهناك تجارب طيبة يمكن الاستدلال بها، ويقدم هذا الفريق تقارير عن كل تجربة وعن دراسات نافعة لما يجري في العالم حتى تكون الحكومة وأجهزتها والناس جميعا على اطلاع على ما يجري حولنا، والأخذ بما يفيد بلدنا.إن مثل هذين الفريقين يمكن أن يوفرا لحكومتنا رؤية واضحة للسياسات والبرامج التي تقترحها وتكون قراراتها بناء على دراسة وأبحاث لكويتيين مختصين ومخلصين، وبناء على تجارب حية من دول سبقتنا وتقدمت علينا. ما حدث ويحدث حتى الآن هو استهزاء وتصغير لآراء الناس وادعاء بالمعرفة والفهم، وأن الحكومة أدرى وأفهم من غيرها، ولو استمرت الحكومة على هذا المنوال فالكويت ستتراجع وتظل كذلك حتى تصل إلى ذيل قائمة المتراجعين في القريب العاجل.فاصحوا من أجل الكويت ولا تكابروا.
مقالات - اضافات
لا نريد أن نفهم
30-12-2016