مللنا الكلام وكرهنا الانفعال، وجربنا هلكة التهور، وشلّنا التخطيط، فكيف ننفع ولا نضر في الوضع السوري المحير؟ ففي الداخل نساء وأطفال يحدق بهم الخطر من كل صوب، مطرهم من ست سنين قنابل و"تي أن تي" وغازات، وليس عندهم من يحميهم إلا الله، آباؤهم غيبهم الأسر أو القتل، والدول تدور عليهم وتحوم حواليهم، وحصارهم يزداد ضيقاً، فغدوا بين تهجير ونفير فضاع الصغير وزُهق الأسير وحار الكبير وهلع الملايين، فكيف ننفعهم؟ وما خياراتنا القانونية ذات التأثير الإيجابي لنفع كل إنسان في سورية؟

صرخ الحمقى داعين إلى الدخول غير المشروع إلى سورية لأجل الحرب، فلبى المتهورون النداء، ونفذوا إليها من خلال الحدود التركية-السورية، فصاروا عالة ووبالاً على الثوار، فجهلهم بتعقيدات المجتمع السوري جعلهم عرضة للاستغلال السهل والابتزاز "الاستثماري" لأهاليهم بالخارج، والاستخبار عن أعوانهم في الداخل، مع العلم أنهم قد يقعون ضحيةً للانضمام لجماعات همجية مشهود بشيطنتها عالميا، أو يستغلهم النظام السوري الظالم، فدهاليز الجغرافيا السورية لا تحاكي صعوبتها ووعورتها إلا تراكيب الأطياف والقبائل السورية، مختلفة الأعراق ومتبعثرة المذاهب ومتضادة الديانات، فما الحل السلمي الرشيد الرزين الذي يمكن أن يطبقه العرب والمسلمون بالخارج؟

Ad

ينبغي الجهاد بالمال للجان المعتمدة للإغاثات الإنسانية فحسب، كمشاريع التطبيب والتغذية والإسكان (المخيمات)، والكسوة والمبادرات الراقية بمواقع التواصل الاجتماعي باستمرار لا مجرد موضة (هاشتاق) أسبوع، فالدول تهاب تغريدة العصفور الأزرق، وتخشى عين الصندوق "الإنستغرامي" ويرعبها الشبح "السنابي"، وتفضحها نافذة اليوتوب، فلذا يجب إشهار الأهوال السورية لتعاطف عالمي بجميع اللغات والجهات المسؤولة، بالإضافة إلى إبلاغ إدارات الإنترنت لأي حساب عنصري وطائفي يعطل مطالب ذاك الشعب الحر، ويشوه سمعة ثورة اختارها قلبه الذي ينبض نزيفه لها، فلا تستهينوا بمفعول (لم يعجبني ذلك- حظر- إبلاغ) على حسابات التواصل الاجتماعي لجميع الرموز والأعوان الغوغائيين والعدائيين في العالم الإلكتروني، وأما التبرعات فينبغي لها الترشيد القانوني الذي يصون الأمانة ويحصر المشاركة المالية في أهداف إنسانية وأسرية بحتة.

فمن اللجان المحترمة الكويتية المستقبلة للتبرعات العالمية، التي تساعد ضحايا العنف من الشعب السوري، جمعية "الرحمة العالمية" التي أنجزت بطولة تستحق النشر بجميع الصحف الكويتية، وهي إتمام المبادرة الشعبية الكويتية، فكانت أعظم وأجزل من مظاهرة الحربش أمام السفارة الروسية، فقد أتمت "الرحمة" مشروع (مليونية أهل الكويت) بحيث شكلت محفظة إلكترونية يودع فيها أهلنا الكويتيون (ذخر العرب) المبالغ التي تجود بها أنفسهم، فقفز عداد التبرعات ليتجاوز المليون في فترة قياسية.

ناهيكم عن بطولات "العون المباشر"، التابعة للمرحوم عبدالرحمن السميط (الفاتح)، في الإغاثة الطبية للسوريين، وجمعية الهلال الأحمر، فالخطوة الجادة والعملية هي التواصل مع هكذا لجان للتبرع أو التطوع سواء الإعلامي أو الإداري، ومن الممكن فتح نافذتك الخاصة الإلكترونية بمواقع اللجان بالشبكة العنكبوتية المصونة قانونيا، لتدعو كل مجاميع التواصل الاجتماعي والزملاء والطلاب وأفراد العائلة للتبرعات الإغاثية.

وفي الختام نأتي لعمل مجيد استهان به ضعاف الإيمان، قال صلى الله عليه وسلم في الحديثين الصحيحين: "الدعاء هو العبادة" و"الدعاء أفضل العبادة"، فمن المخزي أن يوصف بحيلة الجبان ومن الخذلان نعته بسلاح الضعفاء، فمن استجار بالقوي المتعالي ليس من الضعفاء، وإنهُ لا حول ولا قوة إلا بالله، الذي وحده يقوي الهزيل، ويقلب الذليل عزيزاً، وينصر المظلوم على ظالمه، فكم من صاروخ انفجر في عقر دار المعتدي بدعوة خفية؟ وكم من رصاصة أرادوا بها جمجمة مولود أخطأت مسارها بدعوة جهرية؟ وكم عذراء فرت من براثن الملعونين وهي بتول بتأمينةٍ مَكية؟ فلله دائما المشتكى وبه المرتجى.

فما علينا إلا الدعاء والتبرع للمشاريع الإنسانية لا التسليحية، فلا نعلم من الشيطان ومن الملاك هناك، ويجب التعامل مع اللجان المصرح لها قانوناً والموثوقة دولياً، وعدم التبرع لأي أحد يزعم الوكالة لأي لجنةٍ ما، وبهكذا نكون قد حققنا المبادرة الصائبة لإسعاف النسمة السورية.