لفت انتباهي قبل أيام قول رئيس مجلس الأمة خلال احتفالية اليوم العالمي لمكافحة الفساد: "إن الكثير من المشاريع في الكويت قد تعطلت بحجة وجود شبهات فساد! كما أننا نقف أمام معضلتين بنيويتين؛ الأولى هي كثرة الحديث عن الفساد دون تحديد فاسدين لمعاقبتهم، وهو أمر يبعث على اليأس والقنوط! والأخرى هي أننا تحت شعار التشدد في محاربة الفساد نقع في دائرة تعطيل الأعمال والإنجاز وإطالة الدورات المستندية والإجرائية للمشاريع والأعمال".

نجد فيما تقدم تفسيراً للحلقة المفرغة التي تلد فيها كل حالة فساد لدينا فساداً أكبر، وجعلته متلازماً مع اسم الكويت مع "عميق الأسف"، باعتبارها من الدول الفاشلة في محاربة الفساد المالي والإداري المستشري في الأجهزة الحكومية بشكل صارخ، وامتزج بصيغ مختلفة في النموذج الإداري في الكويت، على الرغم من توفرها على ميزات نسبية تقوم على أكبر منظومة حمائية من خلال الدستور والبرلمان والأجهزة الرقابية والقانونية والإعلامية والمجتمعية المتمثّلة بسطوة التوعية الدينية والإصلاح الأخلاقي والسلوكي المبالغ فيها أحياناً!

Ad

برغم كل ما تقدم فإن المعضلتين اللتين ذكرهما رئيس المجلس، لعبتا دوراً أساسياً في تحول الفساد بكل أشكاله إلى داء عضال استعصى على المعالجة طوال ربع القرن المنصرم من التحرير، وحتى يومنا هذا، ولعل أي مراقب لا تخطئ عينه المجردة تعثر قوائم طويلة من المشاريع الحيوية الكبرى لدينا، وأبرزها ما يتصل بالبشر كالجامعات والمستشفيات التي تعطلت معها التنمية الشاملة، فاستدعت تدخل الديوان الأميري (بكبره) لإنجاز عدد من المشاريع بسرعة قياسية وبكفاءة عالية، ويعد ذلك إعلاناً رسمياً ومرجعياً عن عجز الأجهزة الحكومية المعنية عن القيام بواجباتها لإنجاز المشاريع، لأنها نجحت بابتكار بيروقراطية بنكهة محلية فاقت بتعقيداتها كل بيروقراطيات العالم المتخلف!

على مدى السنين وعبر قوائم الإخفاقات وسجلات الفساد "فلت" من العقاب العديد من كبار المسؤولين الذين دارت حولهم الشبهات، وتعثرت أو توقفت إجراءات محاسبتهم؛ إما لأسباب وأخطاء إجرائية (مثل نسيان تاريخ الأحكام)، وإما لأسباب فرار عدد منهم بغنائمه، فيما وراء البحار، وأتيحت لهم الفرص من خلال إطالة آماد التحقيقات وتعقيدات إجراءاته للاختباء خارج الكويت، بعيداً عن متناول تنفيذ الأحكام الصادرة عليهم، ويمثل أمامنا اليوم عجز الدولة عن حسم "الفضيحة الكبرى المتمثلة بسرقة التأمينات".

سمعنا عن طلب قوائم بأسماء المسؤولين عن تعثر خطط التنمية لمحاسبتهم، ولكنها لم تتعد المانشيتات الصحافية، ولم نر حساباً ولا عقاباً لمسؤول متقاعس، ولم نر قرارات أو مراسيم إعفاءات لأسباب التقصير، بقدر ما رأينا قرارات ومراسيم تعيينات ومنح وهبات وإنشاء لهيئات راكمت البيروقراطية، وعقّدت الدورات المستندية وفاقمت معاناة المواطن المغلوب على أمره في بلده الذي طال حلمه بأن يراه عروس البلدان!

وأكرر ما سبق لي كتابته:

إن السبب الرئيس في توطن الفساد لدينا هو فساد مكافحته المتشارك في المسؤولية عنه على حد سواء المجالس والحكومات المتعاقبة وروتينهما الخانق، والسلام!

أخيراً، كل عام وأنتم والعالم بخير، آملاً للكويت في عامها الجديد الرفعة والأمان والازدهار، واقتلاع الفساد ومحاسبة الفاسدين، متمنياً ألا يحسب البعض مثل هذه التهنئة ظاهرة سلبية!